الإثنين 2018/03/12

آخر تحديث: 12:58 (بيروت)

مسرحية "حكي رجال" للينا خوري: عمل تلفزيوني هابط

الإثنين 2018/03/12
مسرحية "حكي رجال" للينا خوري: عمل تلفزيوني هابط
لينا خوري تمثل دور مخرجة لا تعرف ما تريد.. وبحسب إخفاق العمل، يظهر تمثيلها حقيقياً.
increase حجم الخط decrease
لا يمكن الجزم في أمر "حكي رجال" للينا خوري، فهل هذا العمل هو عرض يدور على خشبة داخل مكان يدعى "مسرح المدينة" أم أنه فعلياً مسرحية؟ لا إجابة حاسمة، لكن المؤكد أن هذا العمل، وبوصفه بياناً أدائياً، لا يستقر سوى على إخفاق، مردّه متوزع، ليس على طرح الموضوع نصياً فحسب، بل على طرحه جمالياً، أكان من ناحية التمثيل أو من ناحية الإظهار البصري أيضاً. 

بدءاً من باب المحتوى، أي عزم المخرجة، وهي نفسها شخصية رئيسية بإسمها ومهنتها في "العمل"، على التحضير لمسرحية تتمحور حول الرجال، ما يحملها على التفتيش عن المتكلمين. بالتالي، "حكي الرجال" هو عمل عن محاولة الإنتهاء من تعرقله. وخلاله، تتعرف المخرجة المزعومة، ومعها مساعدها فؤاد يمين، على أربعة من هؤلاء، الذين ينزلون على رجائهم، وبالمعنى الحرفي، بسبب تدرجهم على السلم بين جمهور المتفرجين، وعلى وجوههم ملامح الإستغراب، إذ يظنون أنهم سيتقدمون إلى وظيفة لا يدرون خدمتها بعد. بهذا، بنزولهم، واستفهامهم عن المقصد منه، يفتتحون العمل. وذلك، لكي يقلبوه من متعرقل إلى سائر. وهنا، بالتحديد، يحضر"الحكي"، حكيُهم، لكنه لا يخفف من تعثر العمل، بل يزيده ويضاعفه.

ذلك، أنه حكي يرمون به في أثناء مقابلة معهم، من دون أن تنجح الساعية إلى سماعه في شرح طلبها منه، وهذا، على الرغم من استجدائها "أعماقهم". وبما أن هؤلاء لا يعرفون ماذا يستلزم تحركهم أمام عدسة الكاميرا الصغيرة منهم، سرعان ما يمضون إلى الحكي على نحو مبالغ فيه لكي يدّعوا أنهم متمكنون منه، إلا أنهم لا يتمكنون سوى من جعله حكياً بلا طائل، مليئاً بالكليشيه وضجيجه وتهكمه وإغتمامه، فضلاً عن إثارته بالسُّباب والتأشير التجنسي. 

بعبارة أخرى، مطلوب منهم أن يؤدوا وظيفة الرجال، والكلام عنهم. لكنهم، وبما أنهم لا يدركون معنى هذه الوظيفة، يذهبون إلى تأديتها على أساس معين: المغالاة في التكلم عن أي شيء، ثم القول أنه كلام ينمّ عن الرجولة. وهذا، مع أنه، وفي أغلبه، لا يصدر عن الرجولة، بل إما عن تصورات رائجة حولها، أو عن أوضاع حياتية يتعرض أصحابها لها، كوضع الغرام أو وضع الزواج أو وضع القمع مثلاً. في النتيجة، جاء حكيُهم، كإنباء وحوار، كأنه إدعاء لتحقيق وظيفة، هي، في أصلها، ليست وظيفة، وفي حال كانت كذلك، فقد التبست عليهم خلال امتحان "الكاستينغ" من دون أن يقدروا على التعبير عنها.
 

قدم الممثلون وظيفتهم تلك على منوال حكيِهم. لينا خوري تمثل أنها مخرجة لا تعرف ماذا تريد أن تسأل الذين تقابلهم. وفعلياً، وبحسب إخفاق العمل، يظهر تمثيلها حقيقياً. فؤاد يمين، كما على التلفزيون، كذلك على الخشبة. غبريال يمين، معمم المغالاة في الأداء من أجل إدعاء التمكن منه. طارق تميم، يظهر في فقرة "درامية"، تبين أن الضحك في العمل ليس سوى ضرباً من ضروب الإحزان. جوزيف زيتوني يؤدي تصوراً رسمياً، ورسمياً جداً، عن مثليّ الجنس، جسماً ومسلكاً وخطاباً. هكذا، يجيء التمثيل، وعلى منوال الحكي، خائراً للغاية. فلا نص يحمله، ولا أداء يمتّنه: إنه مرميٌّ على عواهنه.

لكن ذلك كله، أي الحكي بنصِّه وتمثيله، ليس منقطعاً البتة عن الإظهار البصري للعمل، بحيث أنه يجعله تلفزيونياً، حتى لو كانت تقنيته الأولية هي الآيفون وتطبيق "عزيز". ولا تتمحور تلفزيونيته هذه حول حكيه، الذي من المتاح الوقوع عليه في برامج من كل حدب وصوب، تتناول موضوع الرجال والنساء لتحشوَه باللغو، بلا أي بحث أو تمحيص. كما لا تتمحور التلفزيونية حول أداء الممثلين الذي يتسم بكونه مسلسلاتياً وترفيهياً. ولا تتمحور تلفزيونية العمل حول هذا فحسب، بل حول شاشة ارتفعت في صميم العمل أيضاً، وتمرّ فيها، بين حين وثان، إعلانات تجارية لماركات مشروب، وقناة لماركات داعمة للعمل إياه، قبل أن تأخذ وجوه الممثلين مكانها.

محصلة الآثار المباشرة لهذه التلفزيونية المتفاقمة؟ بالإضافة إلى خلخلة إنتباه المتفرجين، هي خلخلة العمل برمّته، وتركه على سبيل واحد، أي سبيل هبوطه. "حكي رجال" عمل هابط، وهذا ليس حكماً أخلاقياً بالطبع، بل توصيف استطيقي على وجه الدقة. ونافل التذكير، للأسف الشديد، أن الهبوط هو سمة من سمات الذكورية وعامل من عوامل إنتاجها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها