السبت 2018/03/10

آخر تحديث: 12:29 (بيروت)

كلام في التوريث السياسي

السبت 2018/03/10
كلام في التوريث السياسي
ليس لكل وريث سياسي القدرة على الديمومة
increase حجم الخط decrease
نُشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، لائحة بأسماء المرشحين الذين ورثوا، أو يحاولون وراثة المناصب النيابية والسياسية عن آبائهم، وهي لائحة طويلة ومتشعبة و"كوميدية" في جانب منها، ولا تتضمن معظم اسماء الورثة، وإن دلّت على شيء أساسي، فهي تدلّ على ثقافة سائدة في لبنان منذ عشرات السنين ولم تهبط علينا بالمظلّة. سياسة يتبناها السياسيون ويهجونها في الوقت نفسه، وينتقدها الجمهور ويساهم في تأبيدها، ربما لأننا ما زلنا نعيش ضمن عقلية "النظام الأبوي" والقرابة والدم.
ليس التوريث جديداً في لبنان، وليس اكتشافاً، وإن أصبح كالحمى في السنوات الأخيرة، فهو بدأ في زمن السلطنة العثمانية ولم ينته في زمن الاحتلال السوري، في غالبية الطوائف اللبنانية هناك مجموعة من البيوتات السياسية أو الأسر التي لها ألقاب (شيخ، افندي، بيك، امير) تقود العمل السياسي وهي تمتاز بالثراء المالي والعقاري، والنفوذ المحلي وربما الاقليمي، وأحياناً سمتها "الجهل والتخلف"، وهدفها الاستمرار والديمومة في الحكم أو المناصب والاستحواذ على مسار الجماعات أو العائلات الروحية وتحويلها مجرد عدد أو قطيع. ورغم الانفتاح اللبناني على العالم الخارجي ووجود الحرية النسبية، ألا انهم من الناحية السياسية متخلفون عن العالم الغربي (من دون المقارنة مع العالم العربي). فهم، بحسب الكاتب خليل أحمد خليل، مقلدون للغرب في كل شيء الا المساواة بين الجميع، فالديموقراطية التوافقية لا تنتج ديموقراطية حقيقية، بل هي أشبه بالاستبداد الناعم اذا جاز التعبير. والغريب أن تأييد الأسر المتحكمة ما زال يأتي من شرائح اجتماعية ذات ثقافة عالية ليست بالضرورة من الجمهور الزبائني.

لم تحاول غالبية الطوائف اللبنانية التخلص من هذا المستنقع، ما عدا الطائفة الشيعية، فقد "تخلصت" من سيطرة غالبية الأسر السياسية التقليدية (الأسعد، الخليل، حمادة...) بعد حراك الإمام موسى الصدر في نهاية الستينات، وأتت الحرب الأهلية التي أزاحت بعض العائلات وهمشتها، بالتزامن مع صعود "حزب الله" و"حركة أمل" اللذين بدّلا كل المعايير. على أن التخلص من "الاقطاع الشيعي"، الذي كان سيئاً من دون شك، لم يكن بديله نعيماً، بل على طريقة "مات الملك عاش الملك". ذهب الإقطاع المتخلف الذي يركّز صاحبه على أنانيته ومصالحه ووجاهته، وأتى العقل الشمولي والإيديولوجي أو "زمن العمامة" الذي يركز على ارتباطات خارجية ويهمل أزمات المجتمع المحلية، وهو، في مكان ما، إقطاع مقنّع. واليوم، على أبواب الانتخابات، يستغرب بعض المراقبين أن الأستاذ نبيه بري، حتى الآن، لم يبرز أحد ابنائه لوراثته، وهو الذي يتحكم برئاسة مجلس النواب منذ أكثر من ربع قرن، كأن ما يفعله الآن في عدم الاهتمام الوريث، "تمرد" على التقليد اللبناني السائد، وربما مجرد انصياع للراعي الإقليمي، باعتباره صانعاً لـ"البيوتات" السياسية كما كان الحال في الزمن العثماني.

ثمة ملاحظة أولى ينبغي التطرق إليها، وهي أن الكثير من الورثة السياسيين في لبنان، كان الاغتيال السياسي أساسياً في توريثهم. اغتيل الآباء، فتلقائياً ورث الأبناء أو الزوجات أو الأخوة، بدءاً من كمال جنبلاط مروراً بطوني وفرنجية ورينيه معوض وبشير الجميل ورفيق الحريري ومعروف سعد ورشيد كرامي وداني شمعون وجبران تويني... ملاحظة ثانية أن الوريث كان يأتي، بعد مقتل أو وفاة والده أو قريبه. أما الآن، فإن "المبايعة" تحصل قبل الأوان، ربما لأن الآباء باتوا يخافون على مسار الأبناء، ويريدون تأمين "المبايعة" بنعومة خوفاً من الطامعين الكثر.

وليد جنبلاط، التقدمي الاشتراكي، لم يترشح للنيابة هذا الموسم، وترك المسيرة لابنه تيمور. قال العام 2011 إنه ضد التوريث فصفقوا له، وفي العام 2016 عندما أعلن ترشيح تيمور مبكراً الى الانتخابات النيابية، صفّق أنصار الحزب القتدمي لخياره. سليمان فرنجية الماروني الزغرتاوي أيضاً لم يترشح، وتنحى عن النيابة لابنه طوني وتفرغ لـ"حلم الرئاسة"، وسريعاً سمى جمهوره ابنه "المارد"! عندما تقدم النائب سامي الجميل صفوف الكتائبيين بسرعة، متجاوزاً "الرفاق القدامى"، لم يستطع تجاوز معارضي خيار التوريث في "الكتائب اللبنانية". بدأ سامي متمرداً في زمن الجامعة ضمن مجموعة "لبناننا"، قبل أن يعود إلى بيت الطاعة، ويبدأ صعوده في المناصب الكتائبية حتى أصبح الرئيس.

هناك التوريث السائد، وهناك ما هو أهم، ونقصد الأحزاب شخصانية. فلا أعتقد ـن الحزب الاشتراكي سيبقى حزباً إذا غادر البيت الجنبلاطي. ألم تفشل كل المحاولات لإبعاد حزب الكتائب عن عائلة جميل؟ ولا أعتقد أن الحزب الشيوعي سيكون قوياً، كما في زمن جورج حاوي. ولم يقدر كريم بقرادوني، حين تولى قيادة "الكتائب"، وبرغم الدعم السوري، أن يعيد الوهج للحزب المسيحي التقليدي.

في المقابل، ليس لكل وريث سياسي القدرة على الديمومة. فالوراثة أيضاً أمام امتحان، وليس بالضرورة أن يكون وريث الزعيم زعيماً، وأحياناً تكون قدرات الوريث أقل أهمية من الموروث. كان عميد "الكتلة الوطنية"، ريمون إده، بلا أبناء، وقبل رحيله أوصى بالوراثة لابن شقيقه كارلوس الذي كان في المغترب. وكان كارلوس بعيداً من السياسة وزواريبها، فعاد إلى لبنان ولم يستطع أن يملأ فراغ عمّه. صار حزب "الكتلة" هامشاً. والأمر نفسه في حزب "الوطنيين الأحرار"، إذ لم يستطع الوريث دوري شمعون أن يملأ فراغ والده كميل شمعون الذي كان بمرتبة "ملك"... ولم يستطع فيصل كرامي ان يكون بحنكة رشيد كرامي، منذ وراثته زعامة آل كرامي، كأن يستجدي منصباً وزارياً أو نيابياً من التيارات السياسية المتحالف معها.

ليس التوريث حكراً على العائلات التي تسمى "اقطاعية". فحتى الأحزاب التي تسمى علمانية وتنادي بـ"التغيير الديموقراطي"، وتشتم "الرجعية العربية" و"النظام الطائفي"، تقع في غواية التوريث. أسامة سعد، الآتي من سلالة الخط الناصري، والملتحق بـ"الممانعة"، لم يؤسس شعبيته المحلية في صيدا، من عصاميته ومواقفه "التاريخية"، بل هو سليل التوريث السياسي، باعتباره نجل معروف سعد وشقيق مصطفى سعد. ولا يختلف الأمر مع عمر واكيم، نجل النائب السابق نجاح واكيم، الذي برر والده التوريث بأسباب واهية وتنظيمية.

ننتقد التوريث السياسي. لكن ماذا عن الجوانب الأخرى؟ ماذا عن الموسيقى والغناء والتمثيل والإعلام والأدب والفن التشكيلي والمهن الحرة، وحتى الأعمال الحرفية؟!

وللحديث بقية عن صناعة الزعامة في لبنان...
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها