الخميس 2018/02/08

آخر تحديث: 16:51 (بيروت)

ماذا حلّ بالجيل "إكس"؟

الخميس 2018/02/08
ماذا حلّ بالجيل "إكس"؟
(اللوحة للفنان السوري خالد تكريتي - مواليد 1964)
increase حجم الخط decrease
منذ عام تقريباً، تظهر في الأدبيات الغربية، استفاقة لافتة. في الإعلام، في الأدب والفن ودور النشر، عاد الحديث عن الأجيال كموضوع ثقافي وسياسي. ولعل التحديات التي تواجهها المجتمعات الأوروبية، وإلى حد ما الأميركية، ساهمت في بلوغ العنوان الجيليّ ذروته الراهنة، لا سيما أزمة اللاجئين والأزمة المالية، والإسلاموفوبيا، وصولاً إلى إشكاليات الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي واقتصادي، ثم العودة إلى أصول الخطاب النسوي، ووصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة الأميركية تزامناً مع صعود اليمين المتطرف وخطابه في أرجاء القارة العجوز.

النقاش الغربي يتمحور حول الحرب المستعرة بين جيلَين: من جهة، هناك أبناء "طفرة المواليد" أو Baby Boomers الذين ولدوا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أي في الفترة ما بين 1946 والنصف الأول من ستينات القرن العشرين. ويقابلهم، من جهة ثانية، أبناء الألفية أو Millennials المولودون في العام 1982 وما بعد، والذين بدأوا بتشكيل شخصية جيلهم ووعيه في الألفية الثالثة. ويلحّ السؤال: ماذا حلّ بالجيل "إكس"؟ هؤلاء الذين بلغت غالبيتهم العقد الرابع من العُمر، أما عادوا مثيرين للاهتمام؟ وأيّ موقع يحتلون في هذه الحرب المكتشفة؟

لسبب غامض، تبدو الثقافة المصرية شبه وحيدة، عربياً، في استخدام التصنيف الجيليّ كأداة نقدية. والأرجح أن مَن تسنى له تطعيم صداقاته ودائرة معارفه برفاق مصريين، لا سيما في أوساط المثقفين والناشطين، سيهز رأسه موافقاً فيما يقرأ هذه السطور، وسيتذكر كيف أنه سمعهم وقرأهم مراراً وهم يخوضون جدليات الأجيال ومعاركها، في السياسة والثورة والأدب والموسيقى وغيرها. في مصر، يسمون الجيل "إكس"، جيلَ التسعينات. وإذا كانت سائر النقاشات العربية خالية من المصطلحات الجيليّة الواضحة، إلا أن مفاهيمها حاضرة مُضمرة في الكلام كله، خصوصاً عند مفصل "الربيع العربي" الذي شكّل ويشكّل مسارات المشرق وبعض المغرب العربي راهناً، بحروبها والحياة السياسية وأنماط الاستهلاك الثقافي والتجاري والتكنولوجي.

غربياً، لم يُحسم الجدل، حتى الآن، في شأن ما حققه الجيل "إكس": فهل يُعزى له الفضل في تكريس الكمّ الأكبر من المساواة الجندرية المهددة اليوم بانبعاث الخطاب المحافظ؟ وهل تخلط الحرب بين مواليد الطفرة والألفيين، أوراق التعددية الثقافية والتسامح التي كان قد رتّبها "الجيل إكس" وارتاح لإنجازه؟ بل هو الذي رتّبها فعلاً؟ الجيل الذي لم يُعرف له اسم قبل أن ينشر الكاتب الكَنَدي دوغلاس كوبلاند روايته الشهيرة "الجيل إكس: حكايات لثقافة متسارعة" العام 1991، كان قد عُرِّف بمناهضته للاستابلشمنت، فهل صار الآن الاستابلشمنت؟ وهل يؤهله موقعه المخضرم بين زمنين، أي زمن ما قبل العصر الرقمي وما بعده، لدور مميز ما؟ هل ينقذ "الجيل إكس" العالم من كبوَته الحالية؟ هو "الطفل الراشد"، الذي تمتّع بـ"ترف" التسعينات جنوناً وسفراً ومغامرات، وما زالت حفلات نهاية الأسبوع تُخرج المراهق الذي بداخله. وهو الذي تنعّم بازدهار المنح التعليمية وفرص العمل وتسهيلات الإسكان، وفي الوقت نفسه واظب على الاستيقاظ باكراً صباح يوم الإثنين ليتوجه إلى عمله، مهما كانت الظروف، وما زال المسؤول عن تعليم الأولاد ورعاية المسنين.

الأرجح أن جدلاً عربياً مشابهاً، إن اندلع بجدّية، سيبقى هو أيضاً بلا حسم لوقت غير قصير. لكنه البدء في خوضه، واستخدام أدواته الخاصة به، يبدو اليوم حاجة. ربما ما عادت كافية ثنائيات نظام/ثورة، ديموقراطية/استبداد، مدنية/عسكرية، طائفية/علمانية، دولة/شعب، طبقة سياسية/مجتمع مدني، تطرف/اعتدال، ذكورية/نسوية، أكثرية/أقلية... هذا ليس للقول بأن التفكير جيليّاً سيحقق اكتمال الصورة بالضرورة، لكنه يسكب ضوءاً إضافياً على المشهد، ولعل تراكم مجموعة من الأسئلة يلحم الشريط المقطوع:
هل يمكن التفكير في مواليد الطفرة والألفيِّين كقطبين أساسيين في الصراعات العربية الراهنة؟ الأنظمة السورية والمصرية واللبنانية والتونسية من جهة، ومعارضوها – بالسلاح ومن دونه – من جهة ثانية؟ هل الإسلام هو "الروح" لجسد جيل الألفية؟ أين "الجيل إكس" العربي؟

تنبّه العالم، أول الثورات، إلى نماذج احتفى بها وتفاءل، كما تنبهنا وتفاءلنا. وإذا أجرى أي منا الآن تمريناً ذهنياً سريعاً، ففكر في أول خمسة اسماء تخطر في باله ممن صنعوا باكورة "الربيع العربي" وانتموا إلى "جيل التسعينات"، فالأرجح أن الاستعراض سيقفل على الموت: الموت الطبيعي (نعم، في هذه السن المبكرة). الموت اغتيالاً أو سجناً. والموت المعنوي، انكفاءً، يأساً، بل وربما ندماً، أو لوذاً بما يؤمّن خلاصاً شخصياً محدوداً قليل الجلبة والتكاليف. لا رغبة هنا في التعميم، لكن رصد الظواهر مفيد. وإذا كان بين أبناء "إكس" العرب مَن ينتمي إلى أحد أطراف النزاع، في سوريا أو مصر أو لبنان أو اليمن أو العراق..، فلعل انتماءه هذا لا يحظى بختم جيله، بل بختم حافظ الأسد وعبدالناصر/مبارك/السيسي وصدام حسين وعلي عبدالله صالح وأمراء الحرب اللبنانية، وأسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي وحسن البنا والخميني وعبدالله أوجلان وغيرهم الكثير، مع مراهقين وشباب وثلاثينيين يقاتلون تحت ألوية هؤلاء أو ضدهم، على الأرض أو في الإعلام التقليدي والبديل. لكن الأهم: كيف يقاتلون؟ وبأية أثمان تدار حرب أبناء الطفرة والألفية؟ وهل نحّي "التسعيناتيون" أنفسهم بأنفسهم، أم أجبروا على ذلك؟ وكيف؟ ولو حفر أبناء "إكس" العرب لجيلهم خطاً في الصراع، وحافظوا عليه، هل كانوا ليغيروا شكل الحرب ومآلاتها؟ بل هل كانوا لينتجوا مغايراً لما نراه ونسمعه، أدبياً وموسيقياً وسينمائياً وإعلامياً؟ فلننس الحرب لبرهة: ليوناردو ديكابريو "إكس" من مجايليهم، وكذلك إيثان هوك وأوما ثيرمان وبراد بيت، وقد وصفتهم مجلة "تايم" بالجيل الممتاز من الفنانين X-Cellent، واعتبرتهم متفوقين على أسلافهم من "دلّوعي" عقد الثمانينات. أين فناني "إكس" العرب اليوم، بين نجوم الشعر المصبوغ وأولئك الذين يصنعون محتوى "يوتيوب"؟ ولماذا لا أحد يهتم؟

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها