الثلاثاء 2018/02/27

آخر تحديث: 11:52 (بيروت)

قائمة الأرقام تزعجني.. أصوات الأطفال اللاجئين في "حنين"

الثلاثاء 2018/02/27
قائمة الأرقام تزعجني.. أصوات الأطفال اللاجئين في "حنين"
رسم: مايا فيداوي
increase حجم الخط decrease
"هل حبات المطر تعني شيئاً ما وهي تتساقط بصوت عالٍ؟ يمكنها أن تكون بصفة حبات دواء لمريض، أو أمل ليائس. فوالدي مريض، والدواء هو حبات صغيرة يجب أن يأخذها بإنتظام. لكن، وعندما يأتي الشتاء، أتخيل حبات المطر هي حبات الدواء لأبي. وصوت الرعد العالي منبه لساعات تناول الدواء"...

هذه النص كتبته ندى النويعم، الطفلة السورية اللاجئة في لبنان، والتي شاركت في مشروع "حنين". نقرأ عن حنين: "والد ندى النويعم رسام، واستخدم مهاراته الفنية لتزيين جدران خيمة عائلته. فقد رسم نفس المنظر الطبيعي الذي يطل عليه منزلهم في حمص. لكي تبقى ندى وأشقاؤها على مقربة من بيتهم لحين رجوعهم".

اللوحة التي قدمتها الفنانة اللبنانية رينا قرانوح، فهي مستلهمة من نص ندى، وهي بالأبيض بالأسود منفذة بتقنيات الفن الرقمي، حيث نلمح عوالم الطفولة التي استمدتها الفنانة، يتداخل فيها الواقع والحلم. هكذا نلمح في اللوحة المخيم طبقةً فوق مدينة حمص، ومن فوقها غيمة تحمل حبات المطر التي كتبت عنها ندى أنها تشبه حبات دواء أبيها. لقد نجحت الفنانة ليس فقط في الإستلهام من النص الطفولي، بل بإبتكار العوالم الفانتازية التي تعبر عن الخيال الذي يتسجد في رؤى الأطفال.

مشروع "حنين"، هو ثمرة تعاون بين منظمة اليونيسيف للطفولة في لبنان، ومنظمة "بيوند" اللبنانية غير الحكومية والتي تعمل على تقديم الدعم النفسي والإجتماعي، وفرص التعليم، وخدمات الحماية لعائلات النازحين السوريين في لبنان. قدمت "بيوند" إلى 39 فناناً سورياً ولبنانياً نصوصاً استخلصتها من دورات الكتابة المجانية للأطفال. كانت هذه النصوص ملهمة لكي يحقق الفنانون من خلالها لوحات (فنون بصرية، عمل نحتي)، وأعمال منفذة بتقنيات الديجتال آرت أو الفن الرقمي.

"شيء مزعج"، تحت هذا العنوان كتب الطفل جمال ابراهيم العبود: "أنا اسمي جمال وكل أصدقائي لهم أسماء. عندما كنا نذهب إلى المدرسة، لكل أستاذ وطالب اسم يُنادى به. كنا نلعب ونمرح. عندما بدأت الحرب وأتينا إلى لبنان، تحول اسمي إلى لاجئ". عندما طلب من جمال أن يختار موضوع قصته، بدأ جمال بالكتابة، ثم انتظر تدفق العنوان من نسيج القصة نفسها. يكتب حالياً كتاباً مع اثنين من أصدقائه، كمشروع مذكرات أطفال. بالإضافة إلى الكتابة، يحب جمال التمثيل، التي اكتشفها خلال دروس الموسيقى والمسرح التي يشارك فيها مع منظمة "بيوند". 


العمل الفني المرافق لنص جمال، من تنفيذ الفنانة السورية ساندرا قسطون. كتلة ألوان مائية مرسومة على قماش أبيض، تتداخل في الكتلة ملامح من وجه الطفل، بأسلوب البورتريه الذي لن يكتمل، لأن الوجه والرأس يتداخلان ليتحولا في كتلة أعلى إلى أبنية مدينة، هكذا تتداخل بورتريه طفل مع تفاصيل مدينة ليشكلا كتلة تشكيلية موحيّة للعلاقة التي تربط كل طفل لاجئ مع المدن، وحتى مع الأمكنة.

العلاج بالفن
بالإضافة إلى المعرض المقام حالياً في بيت بيروت للفنون، فقد صدرت النصوص والأعمال الفنية في كتاب. نقرأ في التمهيد الذي قدمته "بيوند": "تم إنشاء نادي مساعدة الأطفال على الكتابة، وهو من الأنشطة التي تقدمها المنظمة للتخفيف من الإجهاد والقلق المفرط الناجم عن الحرب وتجارب اللجوء، التي يعاني منها الآلاف من الأطفال السوريين المقيمين في مخيمات مؤقتة غير رسمية في لبنان. يهدف نشاط الكتابة للتعبير عن الذات من خلال القراءة والكتابة. لقد استهلم الأطفال قصصاً من تجاربهم الشخصية ومن ذكرياتهم عن منازلهم في سوريا. ثم طلبنا من 39 فناناً سورياً ولبنانياً تصوير هذه الكتابات من خلال ما توقظ فيهم الكلمات. إن العلاج من خلال الفن كعملية تعبيرية تستخدم أشكالاً مختلفة من الفنون البصرية والتمثيلية يمارس عادة في سياق الجهود الإنسانية الإغاثية والإنمائية".

تتقاطع الموضوعات المكتوبة في نصوص الأطفال؛ ذكريات الماضي العائلي والمدرسي قبل الحرب، شوق للوطن المهجور وآمال بالعودة إليه، مشاهد مؤلمة عن نتائج القصف والدمار، وكذلك قصص مؤثرة عن رحلة اللجوء أو التكيف للتأقلم مع واقع المخيم الجديد، والعديد من المقارنات بين المنزل والخيمة. الطفل أحمد يكتب عن القدود الحلبية شوقاً إلى حلب التي قدم منها. وأخيراً، الموضوع الذي يميز تجربة اللاجئ، وهي السؤال عن الهوية، عن اسمه وذاته، نقرأ في نص بعنوان "الأرقام" للطفل شكري عسكر: "9 – 10 رقم صفي، 26 رقم مخيمي، 16 رقم خيمتي، 3 رقم طاولتي في الصف، 5 رقمي بالإجتماع، 3212576 رقم بطاقة الأمم. قائمة لا تنتهي من الأرقام تزعج حياتي".


استلهم الفنان اللبناني محمد قريطم، لوحة من نص الأرقام المذكور آنفاً، رسمها بالحبر الأسود على الورق المقوى، نرى أرقاماً بأحجام كبيرة ترتصف فوق بعضها البعض لتشكل هاوية لا قرار، نلمح جسد طفلٍ منقاداً فيها سقوطاً نحو الأسفل، كذلك بمنظور وأسلوب خط وسم يعود إلى جماليات الرسوم المصورة والأنيميشن. أما الفنان السوري محمد عمران، فقد رسم بالألوان المائية قصة الطفل عبدالوكيل ابراهيم، الذي روّى حكاية عمه الذي كان يبيع الغزلة لأجل تأمين معيشة أولاده قبل أن تصدمه سيارة. لوحة محمد عمران، جسدت المأساة بالمسافات الخالية باللوحة التي تُبعد ما بين العم الواقف وحيداً في فسحة من بياض في منتصف اللوحة، وبين الدراجة وصندوق الغزلة التي رافقتها لحظات موت العم الأخيرة. ثم أضاف الفنان بقعاً لونية مائية باللون الزهري على خلفية اللوحة البيضاء، ليضيف إلى اللوحة عالماً ممزوجاً بين الحلم، الذكرى، وانفعالات الحكاية.

الحياة رغم الألم
في نص عنوانه "إصرار على الحياة رغم الألم"، يكتب الطفل حسين الإبراهيم: "أبي يحب اخوتي الكبار، لأنهم يعملون ويساعدونه في المصروف، أما أنا فلا يحبني، لأنني لا أعمل، بل أدرس. جسمي الصغير لا يحتمل عمل الكبار، وفكري يبقى مع أصدقائي في المدرسة". جسّد الفنان اللبناني كمال حكيم، هذا النص بعمل بتقنية الغواش والكولاج، فنلمح مطرقة تحطم كلمات من الطفولة ومفردات من منهاج المدرسة، هذه العبارات ملصقة على اللوحة بتقنية الكولاج، التي منحت داخل إطار العمل الفني جمالية الهشاشة والتشظي.

تعددت التقنيات الفنية المستعملة من قبل الفنانيين التشكيليين، من لوحات الحفر (حسام الدين زهر، حاتم الإمام)، الحبر (ساندرا غصن، جاد صاروط)، الألوان المائية (نورا بدران، ديالا زادة)، أكرليك على ورق مقوى (ديانا حلبي، غيلان الصفدي، مايا فيداوي)، فن رقمي (فارس كاشو، كريم قبراوي)، وعمل نحت طيني (أماندين بروناس)، وكذلك عمل واحد منفن التجهيز أو الآنستليشن للفنانة اللبنانية (عايدة قواص).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها