الجمعة 2018/02/16

آخر تحديث: 10:43 (بيروت)

"يا حب"

الجمعة 2018/02/16
"يا حب"
تعبير "يا حب" يفرض على الغير أن يكون الحب(لوحة لبيار مورو)
increase حجم الخط decrease
تروج في كلامنا اليومي عبارة "يا حب"، فما أن يلتقي أحدهم بغيره حتى يناديه بها في استفهام أو إخبار: كيفك يا حب؟ صرلي زمان ما شفتك يا حب؟ فالغير، الذي يتوجه الكلام اليه، هو الحب، الذي، ومن ناحيته، يغدو شخصاً يطل، ويظهر، ويخوض الحديث. بالتالي، يشخص الحب، أو بالأحرى يتشخصن، أي يتراءى لنا بهيئة شخص، نجتمع به، أكان تصادقياً، بفعل الصداقة، أو قرانياً، بحكم الزواج، أو ترافقياً، على إثر التقابل في طريق مشترك.

فمن المحتمل أن يصير كل غير هو الحب، أن نصفه بالحب، وذلك، فعلياً، بلا أن يكونه. فالحب لا شخص له، ولكن، عندما يقول كلامنا العكس، فهذا يدفع إلى التوقف على هذا القول. فماذا يعني أن ننادي غيرنا بـ"يا حب"؟

الإجابة الفورية تفيد بأن مناداة الغير بالحب هي للتعبير عن المكانة التي يشغلها في عيشنا، بحيث نقدر وجوده أمامنا. ولكن، التعبير هنا مفرط، ولما يكون على هذا الوضع، فهذا يعني أنه ينطوي على نقص يحاول سده إلى درجة الإنكار. إذ إنه تعبير ناقص من موضوعه، أي من الغير، الذي يريد انتاجه كحب مع علمه أنه ليس حباً، ولهذا، قد يركن إلى الترداد، علّه بذلك يصل إلى مبتغاه، وهو التأكيد على أن الغير هو الحب، وهو النجاح في إنكار أنه ليس الحب.

في الواقع، هذا التعبير تعيس لأنه يركن إلى الإفراط والترداد لإنتاج ما يعرف أنه ليس موجوداً، فيسعى إلى إنتاجه، ولو اقتضى منه هذا الأمر طمس ذلك الغير بحجة تقديره. "يا حب ؟" يعني أنكر أن الغير ليس الحب، ليس لأنه الحب حقيقةً، بل لأنني هكذا أريده. ففي التعبير عن كون الغير هو الحب، ثمة شيء ضده، شيء مفروض عليه بإرادة الحب، بإرادة تحويله إلى الحب.

على أن مناداة الغير بـ"يا حب" تنم عن رغبة في التحول إلى موضوع حب: أريد من غيري أن يكون حباً لكي أكون موضوعه، أي لأستحصل على الحب. بعبارة أخرى، أنادي غيري بـ"يا حب" لأكون محبوباً. وهذا فانتاسم مراهق، وهو فانتاسم سائد، بدءاً من شكله الإستيهامي الأولي، أي تخيل صاحبه لموته من أجل مشاهدة جنازته الخاصة بالمشاركين فيها، مقايضا موته بانتباههم له، إلى شكله التنفيذي، وهو عرضه لصوره على مواقع التواصل الاجتماعي لكي يكدس الاعجاب به، وبين الشكلين، المجاراة.

فنداء "يا حب" هو ملفوظ استنظاري، بحيث ان الناطق به يطلب من غيره تلك النظرة التي تصنعه كمحبوب، بحيث أنه، وبدونها، يحس انه ليس موجودا البتة، بل إنه مهدد بالزوال، والسبب أنه ليس محطها. وأن نطلب من الغير بعض الحب، هذا بديهي، لا سيما إن كنا نبادله إياه، ولكن، أن يكون الحب، أن يكون الناظر، أن يكون مصدر وجودنا، فهذا سيئ للغاية، بحيث أنه، حينها، ليس غيراً، بل ممثل لأم لا يمكن أن نحيا سوى تحت عيونها. "يا حب"؟ أي: يا ممثل الأم المفقودة، دعها تنظر عبرك إلي، فأشعر بوجودي.

بعد ذلك، تعبير "يا حب" يفرض على الغير أن يكون الحب بنكران أنه ليس كذلك، كما يفرض عليه أن يكون ممثل الأم التي يستمد ابنها وجوده من كونه محط نظرتها، بالتالي، الغير، في كل هذا السياق، هو غير منفي. وهذا النفي سرعان ما يظّهره الآتي: الحب حدث يقع بيني وبين الغير، فيجعلنا على مقربة من بعضنا البعض، ففي حال كان الحب هو ذلك الغير، فإلى من يقربني إذا؟ إلى اللا-أحد، إلى اللاشيء. هناك نوع من العدمية في ارادة تحويل الغير إلى الحب، بحيث انه، وإذا وقع، لا يؤدي إلى الإجتماع بشيء، وفي الوقت نفسه، لا يمكن لهذا الغير، إذا لم يقع، أن يكون غيراً.

إفتراض كخاتمة. إذا صدق الغير، الذي تجري مناداته بـ"يا حب"، بأنه الحب، بأنه الحدث، وشرع في الوقوع، عندها، سيكون، وككل حب، خطيراً، وعندها، سيكتشف أنه ممنوع، وأن كل هؤلاء الذين نادوه بنعته كانوا يقصدون نفيه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها