الإثنين 2018/01/29

آخر تحديث: 13:02 (بيروت)

الأوسكار والإستثمار في الفن

الإثنين 2018/01/29
الأوسكار والإستثمار في الفن
دويري خلال تصويره "قضية رقم 23"
increase حجم الخط decrease
لا تبدو دائماً مفهومة تلك الهالة التي يحيط بها بعض الفنانين مهنتهم، خصوصاً أولئك الذين لا يرتبط منتجهم بهدف معين خارج سياقه التجاري أو الفني. طبعاً هذه الهالة، لها شبيه ضمن مهن أخرى، كالطب، التعليم، الصحافة، العمارة، وهي مهن تقدّس نفسها بغض النظر عن طريقة استثمارها من قبل فاعليها (وصف المعلم كصاحب رسالة مثلاً).

يلجأ بعض الفنانين إلى استعارة تعابير من معجم الفن الإجتماعي والسياسي، لصبغ ممارساتهم بقضية معينة، فيصبح تشجيع أنماط من الموسيقى غير السائدة في لبنان، نوعاً من أنواع المقاومة، والترويج للفن الراقي توعية من أجل التحرر ومحو للجهل.

طبعاً يؤمن آخرون فعلياً بالأهداف التي يضعونها لأعمالهم، وهذا على كل حال دافع صاحب أي مهنة للإستمرار في ما يقوم به. لكن هذا الإيمان المبالغ فيه، يظهر غالباً بلا سياق، كما قال منذ أشهر أحد الفنانين خلال لقاء فني (وهو مؤسس مهرجان لموسيقى الجاز): أن على "المعنيين" العمل بشكل جدي على محو الجهل، وزيادة الوعي بموسيقى الجاز (برر طلبه بالقول أن تلك الموسيقى تحظى بشعبية كبيرة في أوروبا).

وقبله بعام أنّب منسق أحد المهرجانات المتخصصة في الموسيقى البديلة، صحافيي المجلات الفنية اللبنانية بعد دعوتهم، وكاد يشتمهم لأن أحداً منهم لا يتحدث عن أعمال فناني الراب والموسيقى البديلة، كأنها مؤامرة مخطط لها من قبلهم. طبعاً هذا التقديس المبالغ فيه للممارسات الفنية، يمكن أن يُستثمر بشكل أكثر مباشرة، مثل حالة المؤسسات التي تقدم عروضاً سينمائية معينة بأسعار باهظة، بحجة أن العرض فرصة لتقديم الدعم للمؤسسة، وهذا فقط مقابل وجودها وتمكنها من الإستمرار.

في المجال السينمائي يبدو الوضع أكثر خصوصية، بما أننا نتحدث عن فن جماهيري، مشروعية منتجاته تعتمد على عوامل محددة بشكل أدق ومتفق عليها. هي بالدرجة الأولى الإعتراف المحلي، الذي تقدمه الصالات والإعلام، وهو إعتراف يعطي الفنان أولى طبقات الهالة والحصانة. أما الدرجة الثانية، فهي المهرجانات السينمائية، إذ تؤمن الإعتراف الفني العالمي الذي يفتح للفنان فرصاً لم تكن متاحة له في السابق.

يأتي ترشيح فيلم زياد الدويري للأوسكار عن فيلمه "قضية رقم 23"، والذي يتبنى وجهة نظر اليمين اللبناني في الحرب الأهلية، كهدية للمخرج. فبالإضافة إلى أنها أوصلته إلى العالمية، هي استرداد لحصانته المهددة بعد كثير من التشكيك والنقد الذي طاوله خلال السنوات الماضية، ما سيسمح له، كما قال في إحدى المقابلات مؤخراً، ليس فقط بتعزيز موقعه في مواجهة حملة المقاطعة، بل توجيه ضربات لها من خلال اتخاذها موضوعاً محتملاً لفيلمه المقبل.

عندما قرر الدويري الذهاب إلى تل أبيب لتصوير فيلمه "الصدمة"(2012)، أعطى فعله قيمة فنية، من خلال القول أنه ذهب "خدمة للواقع" ولأنه يرفض الكذب على المشاهد وتصوير تل أبيب في مدينة أخرى. الحصانة التي، كما اتضح لاحقاً أنها مدعومة من قبل أسماء في السلطة، هي أولاً مهنته التي اضطر أن يعلن عنها عند اتهامه بالعمالة "أنا مخرج وفنان لا تعنيني المواقف والإصطفافات"، وفق قوله في أحدى المقابلات التي أعقبت اعتقاله.

طبعاً في مكان آخر، أمطرنا الدويري بعشرات "المواقف الإنسانية" التي تساوي بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "بكل حب وبلا تفرقة"، والتي تقدمه كشخص "تنويري" يحاول توعية العرب والفلسطينيين وحثهم على "التنظيف أمام منازلهم" عوضاً عن العمل السياسي ضد إسرائيل.

أما حصانته الثانية، فتكمن في موقعه كسفير للرقي اللبناني الذي يفترض به مقاومة صورة التخلف والحرب، السائدة عن لبنان. وهو، كما إيلي صعب وزهير مراد اللذين أوصلا لبنان إلى الأوسكار عبر فساتين الممثلات، استطاع وفق وجهة النظر السائدة، رفع قيمة اللبناني في أكثر الأمكنة بريقاً، وأتى ترشيحه -للمصادفة- بعد أسابيع على الاحتفاء الضخم لشركة "آبوت" بأول فيلم لبناني شارك في مهرجان "كان" منذ أكثر من خمسين عاماً، وتقديمه بصفته تحفة غير مكتشفة حتى اليوم.

في كل الأحوال، من الأفضل أن نتفاءل في حال لم يصبح الدويري خلال سنوات قليلة رمزاً وطنياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها