الأربعاء 2018/01/24

آخر تحديث: 11:26 (بيروت)

سوزان ميزلاس: تأملات الثورة والعنف وصناعة الجنس

الأربعاء 2018/01/24
increase حجم الخط decrease
"تأملات"هو المعرض الأضخم الذي يقام اليوم في باريس، للأميركية سوزان ميزلاس Susan MEISELAS (بالتيمور 1948)، وهي عضو في "ماغنوم". اشتهرت إثر تغطياتها لحروب أميركا الوسطى (1978-1983)، وتحديداً الثورة الساندينية في نيكاراغوا، والسالفادور، بنظرة مؤثّرة.

لا تكتفي ميزلاس بعرض الصور بل تتوقف عند استخداماتها في الصحافة والظروف المحيطة بنشرها. منذ نهاية التسعينيات وهي منكبة على أرشيفها وعرضه لمساعدة الجماعات التي صورتها يوماً وعانت العنف. مقاربتها مضاعفة. تتخذ أعمالها أشكالاً متنوعة: تجارب فوتوغرافية، تجهيز، كتب، أفلام. مثلاً، عملها "كردستان: في ظلال التاريخ" (1997)، نشرته في الإنترنت كوثائق لذاكرة جماعية، تضيف إليه ما استجد من أحداث مرتبطة به.

حققت أيضاً مجلدين بعنوان "السلفادور: أعمال 30 مصوراً"-1983، و"تشيلي من داخل"-1991، عن مصورين عملوا تحت حكم بينوشيه، كما شاركت في العديد من الأفلام الوثائقية عن نيكاراغوا وثورتها.

في بدايتها صوّرت بيئتها. "44، شارع إيرفنغ"(1971)، بورتريات لجيرانها، كل في غرفته، أرفقت كل صورة بنص تناول رأيه بصورته. وثّقت علاقاتها بشخصياتها، ما أتاح لها استكشافاً بصرياً نقياً وعميقاً لعلاقة الإنسان بالمكان. في "صور عند العتبات"(1974)، الذي حققته أثناء عملها كمعلمة للتصوير في المرحلة الإبتدائية، صوّرت سكان الحي أمام بيوتهم الخشبية، مخترقة حدوداً لامرئية بين العمومي والخاص. ثم صوّرت سكان بلدة صغيرة توارثوا مهنة الحياكة، ويعملون لدى صانع يحتكر المهنة ويملك حتى المنازل التي يقطنونها.

أخرجت عملها بشكل شجرة عائلية مكونة من صور فوتوغرافية التقطتها لهم، وصور أخرى طلبت منهم إخراجها من ألبوماتهم العائلية. سردت سيرهم على مدى أجيال متعاقبة. أما "فتيات شارع برنس" الذي استغرق تصويره 15 عاماً (1975-1990)، فتناولت فيه فتيات المنطقة النيويوركية التي تُسمى "إيطاليا الصغرى"، مهتمة بتحولات أجسادهن وطرق عيشهن في طريقهن إلى سن البلوغ.

في 1978، وبعد اغتيال أحد صحافيي "لا برنسا" المعارضة وإندلاع الثورة، ذهبت إلى نيكاراغوا. "لست مصورة حرب أقصد بؤر النزاعات. ما يهمني ليس مظاهر الأحداث بل أسباب اندلاعها". على مدى 30 عاماً عادت ميزلاس مراراً إلى نيكاراغوا حاملة كتابها الأول "نيكاراغوا:1978-1979" لمساعدتها على لقاء من صورتهم في رحلتها الأولى.

تحولت صورها أيقونات للثورة. عرضت في نيكاراغوا نسخاً ضخمة منها، في الأماكن نفسها حيث التقطت الصور الأولى، والتي شهدت أقسى المجازر. بذلك أحيت الذاكرة الجماعية، متسائلة عن قيمة الصورة أمام تعاقب الزمن.

بعد الحروب صوّرت "صناعة الجنس"(1972 و1975) رافقت فرقة من راقصات الستريبتيز، صورت جولاتهن وقابلت مشغليهن وجمهورهن، ملقية الضوء على ما أسمته "دينامية طاقة متأصلة في الإستعراضات النسائية". تضيف: "لسن مجرد أجساد عارية، بل نساء حقيقيات لهن قصصهن الشخصية".

في النوادي الليلية النيويوركية، صوّرت "صندوق باندورا"(1995)، حيث أظهرت علاقات مختلفة بالعنف والمعاناة، مسجونة في الفضاءات الضيقة والمغلقة لعلب الليل.

في "وثائق الإنتهاكات" عرضت العنف المنزلي، مع تقارير للشرطة. عرضته في الباصات والشوارع. "بتلقائية بدأتُ من أماكن حيث آثار العنف أكثر بروزاً. شعرت أن في صوري للأماكن التي شهدت ممارسات عنيفة ضد المرأة، شيئاً من الفراغ والغياب. الجروح براهين واضحة، أما أمكنة الحدث فلا تعني سوى المرأة المعنفة، فتبقى في ذاكرتها".

"غرفهن الخاصة"(2015)، آخر أعمالها. سردية بصرية من صور وإعترافات لنساء معنفات: "كل غرفة وكل حياة لها فرادتها، كل زاوية صورتها هي وثيقة ومرآة. رغم غياب المرأة عن الصور، تبقى حاضرة. إنها صور تسعف الذاكرة للحظة إستثنائية من قصة".

في بحثها الشاق عن المواضيع، غطت مساحات جغرافية شاسعة ونوّعت مواضيعها. جعلت من أشخاص صورها شركاء لها في مسيرتها المهنية. "المهم بالنسبة إلي، إحترام فردية الناس الذين أصورهم، والذين يرتبط وجودهم بأزمنة وأمكنة محددة. وذلك عنصر أساسي من عملي". قالت.

مسار إبداعي غني لامرأة لم تتوقف يوماً عن مساءلة مضامين صورها وظروف نشرها وتلقيها من دون خلط موقفها الشخصي بالظروف الجيوسياسية للصراعات التي غطتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها