الثلاثاء 2018/01/16

آخر تحديث: 15:22 (بيروت)

فضائح حنيف قريشي

الثلاثاء 2018/01/16
فضائح حنيف قريشي
حين نشر “بوذا الضواحي” اتهمته أخته بتلطيخ سمعة أبيه وأجداده
increase حجم الخط decrease
حين أصدر الكاتب الإنكليزي، من أب باكستاني وأم بريطانية، حنيف قريشي، روايته الأولى “بوذا الضواحي”، لم يشكل ذلك دخولاً مفاجئاً إلى الساحة البريطانية الأدبية. هو كان اشتهر على نطاق واسع بعد أن نشر الكثير من المسرحيات ووضع سيناريوهات أفلام ومسلسلات تلفزيونية. ولم تتردد دار نشر فابر أند فابر الشهيرة في تبنيه ونشر كل كتاباته منذ ذلك الحين.

بدا قريشي “ولداً ملعوناً” اقتحم الميدان وأراد أن يحتل الصدارة دفعة واحدة. كان مندفعاً وجريئاً ووقحاً ولم يقيده أي شيء. لم تكن هناك عقبات تقف في طريقه، إذ لم يكن لديه أي رادع يحول بينه وبين الوصول إلى طموحه. وفي الواقع هو كان بدأ مسيرته الكتابية بتأليف نصوص إباحية، بوونوغرافية، بإسم مستعار هو: أنطونيا فرينش.

كان نهم قريشي للكتابة، أياً كانت وكيفما كانت، كبيراً للغاية بحيث أنه بدا كمن به مس من الجنون. وهو تصرف بالفعل كمجنون وأخذ يتبجح بأنه أهم كاتب بريطاني وأن سلمان رشدي ليس سوى أضحوكة. كان همه الأول أن ينال الشهرة، ولو بالفضيحة، أما الهم الثاني (في الواقع الهم الأساس لأن الهم الأول كان وسيلة للوصول إلى الثاني) فقد كان نيل الثراء.

أصابت رواية “بوذا الضواحي” النجاح وحققت بالتالي إيرادات عالية حولت الكاتب، بين ليلة وضحاها، إلى مليونير. كتب فرحاً: لشهور طويلة بقيت أتلقى شيكات مصرفية كبيرة. بدا أن الأمر لن يتوقف أبداً.

وفي تلك اللحظة قرر أن يصبح روائياً لأن المكسب المادي من ذلك أكبر بكثير من كتابة المسرحيات والسيناريوهات. قال ذلك دون شعور بالحرج.
نجاح رواية بوذا الضواحي، ومن قبلها مسرحياته وأفلامه، نبهته إلى أمر آخر:
أن ثمة ثيمة معينة تشد القارئ أكثر من غيرها: الفضائح الجنسية.
هو كان اختبر ذلك أولاً في كتاباته البورنوغرافية ومن ثم في مسرحياته وسيناريوهات مسلسلاته. والآن هاهو يتأكد أن الرواية ليست استثناء. 
“بوذا الضواحي” هي، في النهاية، بوتقة عامرة بالجنس والمخدرات واضطرابات الهوامش.
ما ساعد قريشي في الغوص في هذه العوالم هو أنه هو نفسه كان يعيشها. كان في مراهقته وشبابه طائشاً، متمرداً، تائهاً، لا يحجم عن ارتكاب أية موبقة بذريعة تحدي الهيمنة المجتمعية ورفض المنظومة السياسية والأخلاقية السائدة.
وكان أمامه عالم واسع يمكن له أن يستمد مادته الكتابية منه دون عناء. بدءاً من الحي الذي يسكنه والوسط الشبابي الذي يتردد عليه، وصولاً إلى أدنى زاوية في أقصى بقعة في الأرض. بالنسبة له فإن الجنس والمال أصل كل حدث درامي. هكذا لم يصعب عليه أن يتحرى حياة  المنحرفين، التائهين، المنبوذين، الضائعين، المطاردين، المنحرفين. ولم يصعب عليه أيضاً أن يستفيد من أي خبر في هذا الباب. بل إنه لم يتردد في أن يغرف من حياته الشخصية وحياة أقاربه وأهله.   

حين نشر “بوذا الضواحي” اتهمته أخته، ياسمين، في مقالة لها في الغارديان، بأنه لطخ سمعة أبيه وأجداده وباع شرف عائلته من أجل حفنة من الدولارات (الجنيهات). وقاطعه أبوه ولم يتكلم معه لفترة طويلة.

وبعد نشره لرواية “الحميمية”، اتهمته زوجته، هذه المرة، بأنه إنما كتب ما كتب استناداً إلى ما حصل معها في زواجها منه. تتحدث الرواية عن زوج يترك زوجته وولديه. كان هو بالفعل ترك زوجته ترايسي وولديه. أما رواية “الكلمة لأخيرة”، فقد سعى فيها إلى فضح الكاتب الترينيدادي ف. س. نايبول، كما رأى النقاد والمحيطون به. 
بطل الرواية، مأمون عزام، يستأجر صحافياً، هاري جونسون، لكتابة سيرة حياته.
 توفيت زوجته الأولى وتزوج من إمرأة ثانية، شابة، ليانا، تعيش معه في حي سومرست بلندن. إنه رجل مهووس بالشهرة والجنس والمال وهو لا يتردد في الكذب والتجسس على المحيطين به.

ف. س. نايبول، كان هو أيضاً تزوج امرأة أخرى ودعا صحافياً، باترك فرينش، لكتابة سيرة حياته. وهو ظهر في السيرة كذاباً وزانياً ومتردداً على العاهرات.  
بدت رواية قريشي وكأنها محاولة اغتيال أدبية لنايبول. ولكنها في الوقت نفسه انعكاس لشخصية الكاتب. الصحافي هاري يشبه قريشي في الكثير من الجوانب. الجشع، الوصولية، الجبن، الخيانة.
 هاري يتحدث عن قيام عزام بتدريس الكتابة الإبداعي وهي المهنة التي يمارسها قريشي في جامعة كينغستون.
هناك، إذن، ما يشبه الهوس في ما يتعلق باختيار المادة الروائية (أو المسرحية أو السينمائية، الخ). تحضر دوماً العلاقات العائلية المتدهورة، الخيانة الزوجية، العواطف المتقلبة، الصراع العاطفي، الانحرافات الجنسية بكل أشكالها. ودوما ثمة أفكار حول الكتابة والقراءة والأدب والثقافة، وهو الجانب الذي يصر قريشي على إظهاره في ميل مكشوف إلى الإستعراض وإظهار الذات كنوع من تحدي النخبة الأدبية البريطانية.

روايته الأخيرة، “اللاشيء”، لا تخرج من هذه الدائرة. مخرج سينمائي شهير، والدو، يتزوج من إمرأة باكستانية، زينب، تركت زوجها كي تلتحق به وترحل معه إلى لندن.
إنه الآن مقعد، عجوز، في كرسي متحرك.
زوجته تهتم به، تحممه، تدلله، تلبي له نزواته الجنسية الغريبة. تخرج له ثدييها أمام زواره.
صديق العائلة، أدي، يزورهما على الدوام. يشك والدو أنه ينام مع زوجته. هو أيضاً له عشيقة، ممثلة سينمائية، أنيتا.
 كان أدي تعرض للاغتصاب في طفولته.
هكذا، أياً كان النص الذي تقرأه لقريشي، سواء كان سرداً روائياً أو حواراً مسرحياً أو سينمائياً فسوف تجد نفسك أمام الزوج المخدوع والعجز الجنسي والإنحراف والشذوذ والغيرة والانتقام.
ولكن أليست هذه هي، في النهاية، المضامين التي وصلت بها الرواية إلى ذرى التألق؟ ألم تكن وقائع العيش للمضطربين والمنحرفين وغريبي الأطوار هي التي جعلت القراء في أرجاء الأرض يرفضون أن يغادرا الحياة قبل أن ينهوا قراءة  الروايات التي تصور الانحراف والغدر والخيانة، ومن ثم التسابق من أجل رؤية المسرحيات والأفلام التي تصور ذلك؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها