الإثنين 2018/01/15

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

شاغيك أرزومانيان لـ"المدن": صورت العصفورية بنظرة مسكونة بالجنون

الإثنين 2018/01/15
شاغيك أرزومانيان لـ"المدن": صورت العصفورية بنظرة مسكونة بالجنون
ترعرت في منزل يقع إلى جانب العصفورية
increase حجم الخط decrease

"عصفورية" هو عنوان الكتاب، الذي أصدرته الفنانة شاغيك أرزومانيان (بدعم من آفاق، والمورد الثقافي)، وجمعت فيه صوراً التقطتها بعدستها لأول مشفى للأمراض العقلية في لبنان، الذي أسسه السويسري وولد ماير في الحازمية، مثلما التقطتها من أرشيفه. وإلى جانب الصور، كتبت أرزومانيان نصها، الذي تروي فيه قصة العصفورية، وعلاقتها الذاتية بها، عدا عن مقاطع من تقاريرها السنوية.

عن كتابها، ومحتواه، هنا، مقابلة لـ"المدن" مع أرزومانيان.


- كيف بدأت الانشغال بالعصفورية؟

* لقد ولدت وترعرت في منزل يقع إلى جانب العصفورية، وقد كانت صلتي بهذا المشفى غريبة منذ البداية. إذ إنني لطالما تخيلت وجود المجانين فيه، وذلك، على الرغم من كونه مهجوراً، وفي حين كنا أطفالاً، أخوتي وأنا، كان أبي، على قوله، وليس بحسب ذاكرتي طبعاً، يأخذنا للعب في رجائه المحطم. في العام 2010، أخبرني أحد أصدقائي أن المشفى، أو ما تبقى منه، سيزول من الوجود، ذلك أن شركة سوليدير قررت الإطاحة به، وتشييد مركز تجاري كبير، مول، مكانه. لم أكن قد دخلت إلى العصفورية من قبل، إلا أن قررت الإقدام على هذا الفعل، ولأن بوابته الرئيسة مقفلة، تسللت إليه قفزاً عن جداره من الخلف.

دخلت، ورحت ألتقط الصور، التي بلغ عددها مئتين، فثمة كثير من الأشياء لتصويرها، ولما عدت وتفرجت عليها، شعرت بأنني كنت ضائعة بينها. هذه كانت المرة الأولى التي أزور فيها العصفورية، في المرة اللاحقة، اخترت كاميرا أفضل، وركزت عدستها، وألتقط صوراً سوداء وبيضاء، وأخرى طالحة النمط، فالشرائط الفيلمية، التي استخدمتها، سنحت لي أن أخرج المشفى على طرق فوتوغرافية عدة، وبالتالي، أن أجد مناظر متنوعة فيه. وهكذا، من مرة إلى أخرى، تشكلت علاقتي بالعصفورية، ومضيت أدعو رفاقي للذهاب معي إليه، واستكشافها. في العام 2013، عرضت تسعة صور خلال أحد المعارض في غاليري جانين ربيز، وعندها، جرى تلقيها بشكل جيد، فعزمت النية على استكمال عملي.


- ثم أضفتي النصوص؟

* في تلك الفترة، وقعت على تقارير المشفى السنوية، التي كانت الجامعة الأميركية في بيروت قد نشرتها في أرشيفها. قرأتها بالكامل، وقرأتها كثيراً، وخطر في بالي أن أضيف بعضها إلى الصور. وفي ما بعد، قلت بأن الأجدى هو إصدار كتاب فوتو- نصي، بحيث يكون ملخصاً لجزء كبير من تاريخ العصفورية، وبالفعل نفسه، أبين علاقتي الشخصية به.

- لقد كانت الصور كثيرة، كيف اخترتي المنشور منها في الكتاب؟

* فعلياً، رميت إلى أن يكون الكتاب بمثابة فيلم مرئي ومكتوب، يعين على تعقب أصل العصفورية وفصلها. لكن، هذا لا يلغي أنني، بدايةً، كنت أفكر في صيغة أخرى للعمل، وهي تتمحور حول تصوير المشفى في راهنه المدمر، ولاحقاً، تصوير المركز التجاري، الذي سيرتفع مكانه، ثم عرض الإثنين معاً. إلا أنني، مع الوقت، تعلقت برجاء العصفورية، وقراءتي لتقاريرها، جعلتني أتوقف على كونها مشفى طلائعي في آن إطلاقها، إذ إن القائمين عليها لم يبعدوا طبهم العقلي عن الشفاء عبر الارتباط بالأرض، والشغل فيها. تالياً، من الممكن أن أشير إلى تركيزي على صور الحياة الطبيعية في رجاء المشفى، إذ إنها تخبر عن حاضر المشفى وماضيه، مثلما تتيح لي أن أخرجه بحسب الانطباعات التي خلفتها فيَّ. مع العلم أنني أوليت الاهتمام للطبيعة فيه لأنه يحيل إلى المساحة الخضراء المفقودة في بيروت، وفي البلاد على العموم، من جراء ردمها للعمران فوقها، أو بسبب غض الطرف عنها، رغم الحاجة إليها، كحديقة، أو كمتنزه بيئي.


- ماذا عن تمثيل الجنون فوتوغرافياً؟

* لقد سعيت إلى تصوير اللامرئي في المشفى، أكان الجنون، أو مكانه بأكمله. استعملت عدسة الخمسين ملليمتراً وحدها، وهي عدسة قريبة من عدسة العين ومن منظورها، فلم أكن أريد أن أكسر قانون ذلك المكان الطبيعي، بل أن أجد حيزي داخله بدون أن أفرض أثراً مني عليه، وأحاول إيجاد وجهة نظري نحوه، وذلك، من أجل الإحاطة بمجمله. غير أن هذا لا يلغي أن نظرتي كانت مسكونة بالجنون، وقد استندت بذلك إلى التأطير والتخيل، تأطير المشاهد، وتخيل الدائر والمنصرم فيها، بالإضافة إلى عطفها على ما جاء في التقارير السنوية من قصص وأخبار، تبدأ من مطلع القرن الفائت حتى الحرب اللبنانية، وتحوله على إثرها.


- ثمة تقسيم للصور قائم بذاته، ومن الملاحظ في بعض الصفحات أنه مفصول عن التقسيم النصي، كيف عرضته؟

* تتنوع الصور في الكتاب، فمنها، منشور لوصف العصفورية، ومنها للتعبير الشعري عن مآلاتها، ومنها لاستدعاء الحوادث التي حصلت فيها، ومن صورة إلى أخرى، جربت بناء تسلسل، تكون ركيزته العرض المكاني للمشفى، بحيث أن القراء- المتفرجين يستطيعون، من خلالها، زيارته والوقوف في رجائه، وتتبع أطواره. فالأساس في الكتاب أن يكون دليلاً لهم، ولهذا لم أضع اسمي على غلافه، بل تركته في داخله، كأنني منضدته أكثر من كوني مؤلفته.


- تبدو الغاية من الكتاب متوزعة، مثلاً، بالإضافة إلى حث القارئ- المتفرج على الإلمام بتاريخ العصفورية، الانتباه إلى كونه الآن قريباً من حديقتهم المفقودة.

* إذا أردت أن أتحدث عن غايات الكتاب، فأولاً، تبديد كل التصورات عن العصفورية باعتبارها مجرد مشفى يخيم عليه الظلام والقسوة؛ وثانياً، الانتباه إلى أن مشروعها كان مشروعاً للطبقات الفقيرة، في حين أن تشييد المول مكانها يستهدف الطبقات الغنية؛ وثالثاً، سد بعض الفراغ في معرفة تاريخ الطب النفسي في البلاد؛ ورابعاً، هناك، ومثلما ذكرت آنفاً، مسألة المساحة الخضراء، التي نحتاج إليها. كل هذه الغايات، زدتها على هدف التفنن في التصوير والكتابة، الذي أفلت العنان لنفسي لكي أحققه.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها