الإثنين 2018/01/15

آخر تحديث: 11:47 (بيروت)

حملة #MeToo لا تعرفُ العراقيات

الإثنين 2018/01/15
حملة #MeToo لا تعرفُ العراقيات
شهد الراوي... نجمة الرواية في العراق
increase حجم الخط decrease
على إثر حملة #Metoo المعروفة، التي أعيد تفعيلها بشدة السنة الماضية، ارتفعت نبرة النفور والشجب تجاه المغالاة في الخطاب "المقاوم" للذكورية واضطهاد الوجود "النسائي" في الأوساط الإبداعية والثقافية. انضمت شخصيات نسائية عديدة للحملة المقابلة أو المضادة لحملة "أنا أيضا" تحسباً من إحداث خلل غير طبيعي في العلاقات "الطبيعية" بأثر رجعي، كما ألمحوا في رسائلهم وخطاباتهم التي تطرح وجهات نظر يجب الوقوف عندها من أجل فهم الوضع العام. 


من مراجعة الظروف لكثير من القضايا التي أثيرت مؤخراً، نجد أن ليس هناك مقياساً موحداً لهذه الحالات، رغم اشتراكها في عناصر معينة بذاتها. إذ لم يعد الخطاب الشامل وافياً لحل مثل هذه الأزمات ولا الاعتدال في الرأي والمواقف، كما يرى أصحابها، أو الحيادية قادرة أن تحتوي جميعها. فلكل حادثة وحالة ظروفها الخاصة بحسب الأشخاص والعلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض. ولكن يبقى جوهر الحملة، الذي شخصياً لا أتمنى أن يحيد عنهُ، هو أن احترام خصوصية وحقوق الآخر هو من المتطلبات الأساسية قبل كل شيء. وعن شكل الاحترام ومقاييسه، نعود للدائرة المفرغة ثانية في تحديد شكلها وأركانها. إذ ما يبدو للبعض أمراً طبيعياً لا يبدو كذلك لآخرين. وفي هذه الحالة، كما في إشكالية مفهوم حرية التعبير، نقدر على الأقل تحديد شكل الاعتداء من عدمه بخطوات لا أظنها عسيرة أو صعبة التحديد.


قبل انتشار الحملة مؤخراً وارتفاع ضجيجها في هوليوود ثم في العالم، كانت هناك حالة عراقية سبقتها تتحدث عن هذه المطاطية في مفاهيم الخصوصية وحرية التعبير، لم ينتبه لها العرب أو العالم، نظراً لأن العراق لم يعد من اهتمامات العرب والعالم بعد التغيرات السياسية. هذه الحالة أو الظاهرة انتشرت بشكل مخيف في الوسط الثقافي، الإبداع الأدبي منه تحديداً. بسبب من الانفتاح والانفراج في السوشيال ميديا والعديد من القنوات العراقية الفتية التي صارت تسلط الضوء على الوجوه الشابة من الكاتبات، صار لهذه الوجوه جمهور لا يستهان بهِ. أحياناً يصل تعداد المتابعين لهن إلى عشرات الآلاف، حتى وصل بالبعض منهن أن يصبحن نجمات مواقع اجتماعية في وقت قياسي، لم يكن ليتحقق لمطربة جديدة، مثلاً. الأمر لهذا الحد له إيجابيات أكثر من السلبيات. فالمتابعون معظمهم من القراء، فما تقدمنه الكاتبات الشابات هي مادة كتابية وليس عرضاً فنياً أو أداء مسرحياً. وهذا يعني أن نسبة القراءة بدأت تستعيد توازنها، بعض الشيء، بعدما وصلت إلى مستوى بائس منذ سنوات الحصار في التسعينات. حتى لو افترضنا أن هذه الشخصيات هن من الطبقة "البرجوازية" ومن المُحبات للظهور والانتشار باستخدام صورهن الشخصية الجميلة، كما أُتهمن، فهن اخترن مجال الكتابة والتواصل باللغة مع الجمهور وليس أي مجال آخر، حتى لو كانت التجارب فقيرة.


في كل تجربة كتابية هناك أمل ما يكون مرجواً منها: أما بتطور هذه التجربة واستمرارها أو بفرزها كتجربة "طارئة" ويتم غربلتها سريعاً عن التجارب الحقيقية. هذا الأمل كان نافذاً فيما مضى مع تقليدية الوسط الكتابي، ولكن مع التقدم التكنولوجي وتطور ظروف حرية النشر، أصبح من الصعب فرز هذه التجارب، وبعضها ما زال مستمراً رغم عدم تطورها ومحافظتها على مستواها الهابط. الأزمة التي أحاول تسليط الضوء عليها ليس مستوى التجارب، بل كيف تعامل الوسط الثقافي وشريحة من جمهور القراء معها.

مع انتشار مطبوعات، كتيبات، كتب فتية لشابات جامعيات وغيرهن، تبنت دار غير معروفة  تجاربهن وطبع كتبهن، رغم أن بعضها كانت لائقة أن تبقى تدوينة الكترونية موجهة لفئة عمرية معينة، انهالت فوراً منشورات مضادة تنال من هذه التجارب وأصحابها. وصل الأمر إلى ما يشبه "جنون البقر" الذي لا أعرف أعراضه تحديداً إن حدث وأصاب البشر بقدر اسقاطات التسمية على الوعي. لم تكن المنشورات تتحدث عن مستوى التجارب بل استهدفت وبشكل "مهين" أصحابها إلى حد الشتم والقذف، الذي يحاسب عليها القانون لو حصل شيئاً مماثلاً في بلدان تحترم حقوق مواطنيها وكرامتهم. كان غالبية هذا الجمهور العدائي في "انتقاده" لظاهرة "الكاتبات الشابات" هم من الذكور، وهذا أمر متوقع. وصلت الاتهامات أنهن وصلن إلى هذه الشهرة بالعلاقات المشبوهة في الوسط! الاتهامات التي طالما كنا نسمعها، نحن الإناث، في أول دخولنا مجال الكتابة، حتى لو لم نجد طريقاً للانتشار. لم يفاجئني ردود فعل "الذكور" من الكتاب والقراء، إذ قياساً بالشارع العراقي وكيف يتعامل الذكور مع الإناث أكاد استشف أن هذا كان امراً طبيعياً ومتوقعاً. لكن المفاجئ في الموضوع أن تنضم "نساء" في الوسط لتبرير الهجوم على الشابات، فقط لأن أعمالهن لا تستحق كل هذا الانتشار. وفي الحقيقة جاءت منشورات بعضهن ضد هؤلاء أشبه بالغيرة الواضحة من أعمارهن الصغيرة وتوفر ظروف النشر والانتشار لهن أفضل من أجيالهن.


إن أكثر ما يحزن الكاتب الناشئ هو أن يكون مُحارباً من جيل أحبه ويقرأ لهُ ويعتبر بعضهم قدوة له. وهذا ما لم تتحسبه بعض الشخصيات النسائية في الوسط أنهن، ربما بهذه الآراء، يجرفن في طريقهن تجارب تستحق أن نقف أمامها، وعدم الحكم عليها جميعاً بسبب أنهن يشتركن في سمات معينة منها العمر و"طزاجة" التجربة. لم يتوقف الأمر على نميمة الفايسبوك أو تداول بعض الكاتبات اللواتي بدأن مشوارهن الكتابي متأخراً، ولكن وصل الأمر بتورط أسماء تعتبر "رائدة" في الأدب العراقي. الأمر الذي أعاد في ذاكرتي حادثة غريبة كنت قد نسيتها وذكرني بها ناشر عربي بعدما سمعها بنسختها من الشخصية الأدبية "المرموقة". هذه الشخصية المرموقة والتي يشار لها في البنان لحرفيتها في الكتابة، لم تتحمل وجود "كاتبة شابة" لم تبلغ العشرين من عمرها بعد على منبر مؤتمر أدبي، استفزها أن تقرأ شهادتها عن القصة القصيرة وكيف ترى هذا الفن بحسب تجربتها قصيرة العمر جداً. استمرت الكاتبة في قراءة الشهادة فيما توقفت قليلاً بعدما سمعت ارتطام شيء ما على طاولة الجلسة الكبيرة. بعدها انتشر في أجواء المؤتمر قصة أن "الكاتبة المرموقة" ضربت حقيبتها على طاولة الجلسة وغادرت القاعة احتجاجاً على استضافة "جهال" يعلّمون الحاضرين كيف تُكتب القصة! وجهال في اللهجة العراقية تعني "أطفال" بصورتها السلبية للطفولة. انتشرت نمائم أكثر عن دور بعض الكتاب من الذكور للكتابة للكاتبة الشابة والترويج لاسمها، مع أن ملاحظات أساتذة اللغة الحاضرين في المؤتمر كان ينصب على سلامة قراءتها وحُسن مخارج الحروف. وفي المقابل لم تنتشر "شائعة" واحدة عن "كاتب شاب" ربما تكون "كاتبة/ ناشرة متنفذة" تدعمه وتروج لاسمه، رغم وجود مثل هذه الأمثلة في معظم الأوساط الإبداعية.


كما هو واضح أن الكاتبة "الشابة" قد نسيت القصة لكن صاحبة الاحتجاج لم تنس حتى بعد مرور أكثر من عقدين، إذ سردتها للناشر الذي تعمل كمستشارة لداره بمجرد تسلم الدار نسخة من مخطوط كتاب جديد للكاتبة التي كانت يوماً ما "جاهلة". إذ من يشعر بتهديد الأخر لوجدوه لا ينساه، بينما العكس مع من لا يشعر بتهديد من وجود آخرين غيره.

للقصص والحوادث تأثيرها على النفس والمستقبل أحياناً. بعضها يدفع بأصحابها أن يبدعوا ويكملوا المسيرة، وبعضها يحبطهم ويدفعهم إلى طريق الاستسلام والانزواء. للحالة العراقية بشأن ظاهرة رواج الكاتبات الشابات فتح باب التساؤل وبشدة: متى سيقف المجتمع العراقي بجدية تامة أمام الاعتداءات المعنوية والمادية التي تستهدف الفتيات لمجرد أنهن فتيات؟ وإذ كان ولا بدّ من انتقاد ظاهرة انتشار "الكاتبات الشابات" فالأجدى بنا أن نبدأ بما نملك من أسلحة ككتاب وليس كشرطة أخلاق على الآخر. إذ إن الحكم الأخلاقي على الفتيات لم يعد حكراً على الذكور، فهناك من يتضامن معهم لأسباب عديدة، كما في حملة "أنا أيضاً"، أجد بعضها من باب المحاباة للشللية أو من باب خالف تعرف، وأغلبها عدائية غير مفهومة وغير منطقية ضد كل ما هو "نسائي"، حتى أصبح مصطلح "فيمنست" يقال كشتيمة واهانة، أو ليس هذا تطرفاً ومغالاة أيضاً في تسخيف الانتهاكات؟ وهذا النوع الأخير، على ما يبدو، ليس لديه أي أزمة مجتمعية يعيشها أو يواجهها مثلما يواجهها "ضحايا" التحرش والاعتداء.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها