الخميس 2017/09/07

آخر تحديث: 13:04 (بيروت)

آلن سكولا: عامل الفوتوغرافيا ومعملها

الخميس 2017/09/07
increase حجم الخط decrease
يصعب على زائر المعرض، الذي يقدمه "مركز بيروت للفن" حول أعمال آلن سكولا، بمعية وتنظيم صديقته ومترجمته ماري موراكسيول، تحت عنوان "الفوتوغرافيا في المعمل" (حتى نهاية الشهر الحالي)، ألا يتوقف على كون هذا الفنان الأميركي قد مدّ الممارسة الفنية بمعان أخرى. ذلك، أن تصويراته وفيديوهاته، عدا عن نصوصه، تترابط قبل أن ترتبط بمنظور فني، يجمع بين وجهاتٍ، لطالما كانت واحدة منها تعطل الأخرى، أو تنقص من قيمتها على الأقل.

فإذا حضرت وجهة الإلتزام بقضايا الاجتماع ومسائله الطبقية، أكانت موضعية أو كونية، صارت وجهة التجميل ضامرة، وإذا حضرت وجهة التجميل، تصير وجهة التنظير غائبة. ولكن، في حالة سكولا، كل هذه الوجهات، ومعها، المسار التوثيقي، تجتمع متماسكةً في عمل فني أوحد وفريد.

ويعود ذلك، إلى أن سكولا، ومن يوم كان طالباً في سان دييغو حتى مماته في لوس أنجليس، أدرك كيف يوصل تأثراته ببعضها بعضاً، وقد عبّر عن ذلك ذات مرة قائلاً: "كل شيء قد بدأ بالنسبة إليّ من هذا الإرتطام بين إرث دوشان وإرث ماركس". وعلى هذين الإرثين، أضاف إهتمامه بالكتابات السوسيولوجية والأدبية والنسوية والنفسية والسيميوطيقية، عدا عن السينما، كما ابتدع أشكالها جان لوك غودار تحديداً، وغيرها.

جعل الفنان من تأثراته مبرمجة تصويره واستبانته لموضوعات تتعلق بالمهمش والمشوه والمدمر بفعل الرأسمالية ومخلفاتها على نظم العيش، كالعمل والتعليم مثلاً. لاحق تجسمات الرأسمالية، وحاول تسجيل عواقبها بعدسته الفوتوغرافية، التي لم يتوان عن نقدها كوسيط، والإعتقاد بأنها قد تكون أداة لإنتاج نمط طاغ من المرئية، وبالتالي، تشارك في ستر الصراعات في حين زعمها الموضوعية. فالفوتوغرافيا، بحسبه، أو كما أرادها على عكس النظر المهيمن في إستخدامها، وسيلة "لا طاهرة" تعين في الكشف على الواقع وتحويله، ومقاومة السلطات المتحكمة بمختلف نواحيه.

لا تختصر جدران "الفوتوغرافيا في المعمل" وصالاته سكولا بحقبة من حقباته، بل حاولت إبانتها بمجملها عبر عدد من الأعمال، التي امتدت فترتها الزمنية من بداية السبعينات حتى العقد الأول من الألفية الثالثة. ففي العمل المتسلسل untitled slide sequence، الذي انطلق في العام 1972، يظهر عمالٌ يغادرون مصانعهم، عائدين إلى منازلهم، وقد ركز الفنان في تصويرهم على بطء حركتهم، وهذا ينطوي على نوع من السرعة المكبوحة، بسبب الإغتراب في ظروف العمل. وفي school is a factory، يسرد الفنان قصة المدرسة، وعلاقتها بالنظام الاقتصادي، وكيفية تحديدها للمواقع الإجتماعية، وكيفية اتصالها بالسوق.

ويستكمل سكولا ما يشبه "المطاردة الفوتوغرافية والنصية" في TITANIC'S WAKE، الذي يبحث فيه حول العولمة واستعاراتها البحرية، أكان بوصفه فناناً أو رحالاً، وفي سياق هذا العمل، كان الفنان قد كتب رسالة إلى بيل غيتس ليستفهم منه عن سبب شرائه لوحة ونسلو هومر": "لماذا كل هذا الإهتمام بلوحة تظهر صيادين فقيرين وضائعين... إنهما يريدان الموت، تعرف، ولن تكون ميتة جميلة؟".

تتنوع اعمال الفنان بين تصوير وأفلمة وكتابة، لكنها، وبكليتها، تثبت أمراً بعينه، وهو أن سكولا يتعاطى مع الصورة، لا كوثيقة تبين وتؤكد فحسب، بل كحقل تجاربي، حيث يسعى، وعلى الدوام، ان يدحض أي محاولة للسيطرة عليه، قبل أن يشرعه على أدوار، تفيد بقول الحقيقة، أو بالأحرى خلقها، والحث على الصراعات بالاتكاء عليها. فصورة سكولا ناشطة، أكان في طروحاتها، أو في مساءلتها واعتراضها على الأنماط المرئية، التي تختلف عنها، وأكان في أفعال إنتاجها، والهموم، التي تحركها، والاقترانات، التي تقدم عليها مع المجالات الفنية الاخرى. والى هذا، قد يصح وصف صورته، التي تقترب من كونها "معمل" المعاني، بأنها فطنة أيضاً، اذ تذهب الى كل رجاء لامرئي، تماماً كالبحر، لا لتلتقطه، بل لترى فيه جلاءَ لما تحس به خارجه، فهي، وقبل أن تكون مسنودة بعدسة، مسنودة بعينٍ ملتزمة بما تراه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها