الثلاثاء 2017/09/05

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

رعيان عرسال: شجرة خضراء في بستان يابس

الثلاثاء 2017/09/05
رعيان عرسال: شجرة خضراء في بستان يابس
المشمش اليابس وربيع الحرج
increase حجم الخط decrease
ما ان فُتحت الطريق المؤدية الى منطقة رعيان في جرود عرسال، حتى تهافت المزراعون لتفقد أراضيهم وبساتينهم. أداروا محركات آلياتهم وانطلقوا. سمعوا بفتح الطريق فسارعوا الى التحرك، كأنهم وجدوا متنفساً بعد عناء الامتقاع في عرسال الضيعة وسماع جولات الحرب والقصف. كان بديهياً أن يجول المزارعون (وحتى غير المزارعين) على أرضيهم بعد أربع سنوات من إقفال الجيش لطريق رعيان، بسبب تواجد مسلحي "حزب الله" في المنطقة. 

صديقنا "ابو علي" جال بشاحنتة في تلك الجرود، رأي ان بساتين الكرز والمشمش وكافة الأشجار المثمرة قد يبست، وصارت هياكل عظمية في أرض يباب، بينما الأشجار البرية الحرجية كالسنديان واللزاب تنبت من جديد، ومن تلقاء نفسها، على التلال والهضاب، كأنها في مكانها الطبيعي أو في محمية جديدة، وهي درس لما ستؤول إليه البراري حين تكون محمية من أطماع البشر. حركة الانسان تقضي على تلك الأشجار الحرجية، وحركته ايضاً تجعل الحقول، بساتين وحدائق. فتلك الأشجار المثمرة ما كانت لتحيا لولا عناية المزراعين والفلاحين، وحين يبست بلا الماء والحراثة، بدت غريبة عن تلك الأرض. تلك الأشجار المروية من مياه الآبار الارتوازية، الى جانب نبع رعيان الصيفي، يبست حين غاب عنها أصحابها، ولم يعد هناك من يهتم بها، بينما الأشجار البعلية المثمرة صمدت في مناطق أخرى... كالمنطقة التي تسمى الرهوة، وقد عبرتها قافلة من النازحين مع مسلحي "جبهة النصرة" أثناء مغادرتهم جرود عرسال، كانت خضراء ولم تصب بأذى. منطقة رعيان اتخذت شكلاً آخر، أحد المزراعين وجد في بستانه الذي يمتد على مساحة واسعة، شجرة خضراء واحدة، كأن الأرض المزروعة هجرها أهلها منذ عقود وليس منذ سنوات قليلة، وقد تحولت حطباً يابساً وسُرقت منها العدّة الزراعية والمولدات الكهربائية ومضخات المياه.

أربع سنوات من الحرب وإقفال الطريق، كانت كافية بتبديل معالم المنطقة، من خضراء إلى يابسة، وهي في مرحلة، خلت إلا من مسلحي "حزب الله" الذين أقاموا مواقع على أطرافها "خوفاً" من تسلل مسلحي "النصرة" وغيرهم. حتى المرأة الراعية الوحيدة التي تقيم وحدها في "مغارة رعيان" وتعتاش من رعي المواشي، أجبرت على المغادرة، أطلقوا النار تخويفاً وأجبروها على الرحيل الى مكان آخر، ولم تعد الى رعيان إلا قبل أشهر قليلة.

راح المزراعون يستذكرون تلك المنطقة. أعادوا نشر صور البساتين الخضراء، كيف كانت وكيف أصبحت اليوم، واستعادوا صوراً لمياه النبع المتدفقة، وهو جف الذي أيضاً منذ أربع سنوات، وتعددت أسباب الجفاف...

منطقة رعيان كانت يوماً ما، وجهة للسياحة المحلية و"البِك نِك". خلال الصيف تزورها عشرات العائلات يومياً، تختار كل عائلة شجرة جوز ضخمة وتجلس تحتها لشواء اللحم وتناول المقبلات والاستمتاع بتدفق المياه الباردة بين الصخور. تلك المياه الباردة كانت تفتح الشهية لتناول الطعام، أحدهم كان يقول أنه تناول فروجاً مشوياً على الفحم، وحين شرب المياه الباردة أحس بالجوع من جديد.

رعيان هي المنطقة التي تكثر الأساطير حول سكانها الأوائل، بدليل خرائبها وقبورها وبعض الآثار والمطاحن. ويقال أن جزءاً كبيراً من أجداد سكان عرسال اليوم، كانوا فيها، وغادروها بسبب الصراعات والغزاوات، ثم سرعان ما عادوا اليها وجعلوها مزرعة خضراء ووجهة للرحلات.

فهل تعود بساتينها من جديد؟!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها