السبت 2017/09/30

آخر تحديث: 11:04 (بيروت)

إيليا سليمان.. ما هذا الذي اقترفتَه؟

السبت 2017/09/30
إيليا سليمان.. ما هذا الذي اقترفتَه؟
فيديو كليب ياسمين حمدان: شاشة مقطوعة، شاشة منخفضة، شاشة منتهية الصلاحية
increase حجم الخط decrease
إلى ماري-نور حشيمي

لمتابع التعليقات التي يكتبها المشاهدون حول فيديو-كليب ياسمين حمدان الجديد أن يلاحظ أنهم، وبغالبيتهم، يتفقون على طرح بعينه: الأغنية، "بلد"، سيئة، لكن، لماذا الفيديو-كليب، الذي أخرجه إيليا سليمان لها، سيئ أيضاً؟ نظرة هؤلاء إلى الأغنية وفيديو-كليبها صائب، واستفهامهم دقيق. فما الذي دفع سليمان، الذي، وبحسبهم، هو "سينمائي رائع"، أو "مهضوم" على الأقل، إلى إخراج هذا الفيديو-كليب المخفق؟ 

من الممكن القول مباشرةً أن الفيديو-كليب رديء لأن الأغنية، الذي يعمد إلى إبدائها مرئياً، مبتذلة. فهي، على ما سلف الذكر في المقالة السابقة، تقوم أولياً بمنطق الشكاية وكلامها. والكلام، هنا، يعني الشائع والمتداول والمضخوخ من أوصاف تطلق على "المواطن"، ومن تصورات تختزل أسباب "أزمته" في انعدام "وصول صوته" إلى الإعلام أو البرلمان، وهذا، ما هو ركيك للغاية، وليس صحيحاً البتة.

بالتالي، ثمة علة أخرى لـ"تعاسة" الفيديو-كليب، علّة تتعلق بجملته البصرية، التي تحتوي شاشتين، شاشة التلفزيون، وشاشة التمثيلية السياسية. بحيث أنها، ولكي تتضمنهما، ولكي تقع فيهما وتستسلم لهما، لا بد أن صانعها قد هبط في شاشة أخرى قبلهما: شاشة الوسط أو الاجتماع الثقافو-فني في مدينة بيروت.

لا يمكن لهذه الشاشة أن تستقبل سليمان بلا أن تجد فيه نجماً، فتفتح له بابها، ويدخل، وبهذا، هو يجلس في أمكنتها، ويلتقي بشخوصها، من مثقفين وفنانين على معاشرهم المتفرقة. وخلال ذلك، تحيطه بمسالكها وملفوظاتها، متأرجحةً بين كيل المدائح له والتماهي معه، وتأدية مصاحبته بعد تأطيره في شهرته من أجل استمداد سراب المنزلة منه. تهب تلك الشاشة، وبالإنطلاق من ارتكازها على ستر عدميتها بالتوهم، وطمس خلوها بالتظاهر، وانحلالها بالتحرروية، وخورها بالتشاوف... سليمان موضع، يدور الممثلون حوله، ويجعلون منه قمةً يسعون إلى تسلقها.


وعلى هذا النحو، وفي معرض جامد يزعم أنه نشيط، وهالك يزعم أنه حيّ، تُقحم الشاشةُ مُخرجها، وبإرادة ممثليها طبعاً، في جو من الإحتفاء البليد، إذ يدور التصفيق على مسمعه، أو يجري التقاط التصويرات معه، وفي النتيجة، تُفَرِّغ نجوميته، وبالفعل نفسه، تضخمها.
 
داخل هذه الشاشة، قد يحكي سليمان عن "مشروع" الفيديوكليب، الذي يريد إخراجه لأغنية حمدان، مشيراً إلى عناصره، أي زحمة السير والسلاح والتلفزيون والبرلمان، وربما اختارها إثر محادثات مع ممثلي الشاشة الذين لا يعرفون عن "البلد" سوى ما يتفرجون عليه في نشرات الأخبار ويقرأونه في عناوين الصحف.

تخبر الشاشة، التي تتشكل بالإنغلاق على نفسها، وما يتبع الإنغلاق من بلاهة تعصبية وانقباضية، مواربة ومكتومة، عنصرية وطائفية وطبقية وجنسية.. تخبر سليمان أن هذا هو "البلد". وهو، من جهته، يأخذ بخبرها على محمل الإخراج، وعلى محمل الإبداء الفيديو-كليبي. فبعدما نزل في هذه الشاشة نجماً، وصارت رجاء دعته وإرتياحه، أعاقت إبصاره "البلد" فعلياً، وعطلت ضرورة أن ينصرف منها، مكتفياً بما توفره له من "أخابير" منسوجة على أساس اعتزالي: القطيعة مع كل ما يدور خارجها عبر التنميط والتبخيس ورمي الأحكام المسبقة.

لم يتفضل أحد من آهلي هذه الشاشة بدفع سليمان إلى تبديل جملته البصرية، إلى تلافي منطق الشكاية وكلامها، إلى تجنب إخراج هكذا فيديو-كليب. وربما، لم يحدث هذا لأنه لا منطق عنده، وفي شاشته، سوى ذلك المنطق، ولا إدراك لـ"بلد" فيها إلا مثلما قدّمه سليمان. وربما هو لم يتفضل لأنه، وإذا فعل، يحس أن سليمان ليس نجماً. والنجم في هذا المطاف هو استعاضة عن انعدام الرمز في الشاشة، التي، وبسبب هذا، تخسف ويجتاحها الإرتياب والإستيهام، مثلما تحتلها الهلوسة، التي تدور حول الإقتناع بسلطة أو أثر أو مقام، أو شهرة طبعاً.

شاشة مقطوعة، شاشة منخفضة، شاشة منتهية الصلاحية، وشاشة ميتة، هي التي سمحتَ لها أن تخاطبك يا إيليا، فسقطتَ فيها، مقايضاً عينك السينمائية بضجتها المشهدية، و"هضامتك" بغلاظتها. فمدينتنا التي قيل ذات مرة أنها مطلع النجومية، ليست سوى مدفنها. في المرة اللاحقة، انتبها، ياسمين وأنت!
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها