الثلاثاء 2017/09/26

آخر تحديث: 11:50 (بيروت)

إغلاق "مكتبة البلد" القاهرية.. انتقام سياسي؟

الثلاثاء 2017/09/26
إغلاق "مكتبة البلد" القاهرية.. انتقام سياسي؟
كأنها خطة للتضييق على المواقع الثقافية، غير التابعة للسلطة أو لوزارة الثقافة المصرية
increase حجم الخط decrease
يقول الشاعر الألماني هاينرش هاينه: "أينما يبدأون بحرق الكتب، فإنهم أيضا يحرقون الناس في نهاية المطاف".
 
تنطبق هذه المقولة بشكل أو بآخر على ما يحدث في مصر هذه الأيام، حيث تخوض السلطة معارك سياسية مع خصومها. ويصادف أن هؤلاء الخصوم، فاعلين ثقافياً، سواء بمشاركتهم في مشروعات ثقافية، أو يمتلكون مكتبات ومراكز تلعب دوراً في المشهد الثقافي المصري. أحدث هؤلاء الخصوم السياسيين للنظام المصري، الذي نُكل به في لعبة المكايدة السياسية، كان السياسي فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي، الذي يمتلك "مكتبة البلد" فى قلب القاهرة، والتي داهمتها قوة أمنية مساء الأحد، وقررت إقفالها وتشميعها، بدعوى عدم ترخيصها.

تأسست "مكتبة البلد" في 20 يوليو/تموز2007. ومنذ تأسيسها، المكتبة معنية بتقديم ثقافة بديلة، يسترد فيها المجتمع روحه الثقافية. وحسبما كشف مؤسسو المكتبة عبر "فايسبوك"، فإن الهدف من تأسيس المكتبة يرجع إلى البحث عن مساحات لقاء بين المجالات المختلفة للإبداع والثقافة وبناء صرح متناغم يسمح بتفاعل بنّاء بين اهتمامات ومجموعات مختلفة، وإقامة جسور من التواصل بين النشطاء الشباب الفاعلين فى المجال العام المتطلعين إلى التزود بالخبرات والمعارف، وبين المثقفين المبدعين الشبان.

ويذكر مؤسسو المكتبة في بيانهم التعريفي، كلمة "تمرد"، في الفقرة الخاصة برؤيتهم لموجبات تأسيس المكتبة. وربما تكون هذه الكلمة هي التي أثارت المفتشين خلف مالكها فريد زهران، حيث تقول الفقرة: "في الستينيات والسبعينيات، حين ساد التمرد، واندفع المثقفون لتغيير الواقع على رأس ملايين الشباب فى العالم كله، رفع المثقفون شعار: المهم هو المضمون، والآن ألا يعتبر هوس الشباب بالماركات العالمية هو الوجه الآخر لهوس المثقفين بتقديم ثقافة تفتقد إلى أي مضمون؟!".

فور مداهمة المكتبة، وإغلاقها، وانتشار صور قوات أمنية تقوم بتشميعها، تسارعت التكهنات في أوساط المثقفين، عن أسباب الإقفال، وسط إجماع بأنه يمثل مطاردة ممنهجة من جهة السلطة، لمواقع ومراكز نشر الثقافة، ضمن خطة تشمل التعقب والتضييق على كل المواقع الثقافية غير التابعة للسلطة أو لوزارة الثقافة المصرية. ومن الخطوات التي تدعم هذه الفرضية، خطوة التحفظ على أموال مالكي مكتبات "آلف" المصرية، في أغسطس/آب، ووضع محاسب حكومي مالي ضمن مديري المكتبة، في عملية وصفها كثيرون بأنها أشبه بالتأميم لأموال مالك مكتبة "ألف" رجل الأعمال المصري عمر الشنيطي.

رئيس اتحاد الناشرين المصريين، عادل المصري، أدلى بتصريحات صحافية، نفى فيها هذه التكهنات، وقال إن الإغلاق جاء نتيجة عمل المكتبة بلا ترخيص. وهي الحجة الدائمة لدى الأجهزة الأمنية، والتي تقدمها للصحافة كتبرير لتحركها المباغت ضد أي كيان ثقافي، أو حقوقي. وأوضح عادل المصري، في حديث إلى "المدن"، أن مكتبة البلد ليست عضواً في الاتحاد، الذي يشترط أن يكون العضو صاحب مؤسسة تعمل في النشر، مضيفاً أن فريد زهران، صاحب المكتبة، والذي يملك دار نشر معروفة في مصر، تسمي "المحروسة"، هو من يتمتع بعضوية الاتحاد، نظراً لملكيته لدار المحروسة.

تدحض هذه التصريحات، حقيقة أن المكتبة مفتوحة، وتمارس أنشطتها منذ العام 2007، فكيف انتبهت السلطة الآن إلى أنها تعمل بلا ترخيص منذ عشر سنوات. لتظل فرضية أن إقفالها عملية مكايدة سياسية، ضد صاحبها، هي الأقوى، خصوصاً أن فريد زهران، كان قد هاجم إغلاق المجال العام في مصر، في تصريح تلفزيوني له، مطلع الشهر الجاري، تحدث خلاله عن السلك العاري الذي يؤرق السلطة، وهو الانتخابات الرئاسية، فقال إن ثمة قائمة طويلة من المرشحين المحتملين لخوض معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وما يمنعهم من الإعلان عن ذلك هو شعورهم بالخوف من ضيق المجال العام.

التصريح الذي أدلى به زهران للإعلامية المصرية لميس الحديدي، في برنامجها "هنا العاصمة"، ليس فيه ما يمثل خطورة على النظام تجعل الرجل يتلقى عقاباً بهذه السرعة الفائقة على قوله. لكنه يضاف إلى تاريخه المعروف بالنضال في صفوف اليسار المصري، البعيد، والقريب. ومنه، على سبيل المثال لا الحصر، مشاركته في جبهة رفض منح جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. لكن أخطر ما قاله فريد زهران في التصريح التلفزيوني، هو تلقيه دعوة لحضور اجتماعات لتنسيق جبهة المعارضة، لكن لم يحضرها عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، أو محمد أبو الغار، أو الفريق أحمد شفيق.

عقد اجتماعات لتنسيق جبهة لمعارضة السيسي، هو أكثر الفرضيات المرجحة لأسباب مداهمة "مكتبة البلد"، رغبة في التنكيل به، وفي كل المشاركين في أي جبهة منتظرة للاتفاق على مرشح منافس للسيسي في الانتخابات المقبلة.

المفارقة في استهداف الدولة للمؤسسات الثقافية لخصومها، أنها في المقابل لم تسع إلى ملء الفراغ الناجم عن إغلاقها المكتبات. بالعكس، تمدد في المقابل النفوذ الديني، واستولى على مساحات من الحيز العام. فوضعت دار الإفتاء المصرية "أكشاك الفتوى" في المترو، ما فجر جدلاً عارماً حول الخطاب الديني الذي ترغب السلطة في تجديده، وهي تنشر مرتدي العمائم ليقدموا للعامة نصائح دينية "ديلفيري" ويمنحوهم فتاوى إسلامية عن دخول الحمّام وارتداء الحجاب والنقاب، ولا تسمح فى المقابل بوضع أكشاك لكهنة الدين المسيحي في الحيز العام نفسه الذي يفترض أنه مشلك المواطنين المصريين من أبناء الديانتين.

تبدو خطة التضييق على المكتبات، منسجمة مع الدعوات إلى تضييق المجال العام، سياسياً وثقافياً. فأي دعوة إلى مناقشة فكرية، مكروهة. وأي تجمع في حدث ثقافي، منبوذ. وعليه، فإن حصار المكتبات والمؤسسات الثقافية في مصر، قد ينبع أيضاً من تخوف السلطة من أي عصف ذهني قد يُنتج تحركاً معارضاً لسياساتها وخططها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها