الثلاثاء 2017/09/19

آخر تحديث: 13:13 (بيروت)

عن الكتب التي يقرأها سجناء مصر...

الثلاثاء 2017/09/19
عن الكتب التي يقرأها سجناء مصر...
"السجناء الإسلاميون يميلون للكتب الدينية، لكن شبابهم يحبون الروايات"
increase حجم الخط decrease
لا فرق بين ليلهم ونهارهم، فالظلمة هي مصيرهم وقدرهم، جدران الزنازين تقيد حريتهم، لكن الخيال لا يعترف بالسجن ولا السجان. فمن أين يُسرق هذا الخيال، والسجان يأمر، والواقع المر يقتل متعة الخيال؟ لا طريق إلا الهروب بين صفحات كتاب، وبأمر الرواية ومؤلفها يخضع السجن وجدرانه لحكم الخيال. فالقراءة في السجون محاولة هروب رغماً عن السجان، ومن خلال الكتب تُفتح بوابة حرية لا تقيدها القضبان، وتتبعثر أمام الكلمات ساعات الليالي الطويلة وملل الأيام وقسوة الذكريات المؤلمة والحنين للأحبة.
سر الحرية داخل السجون أدركه محمد حمادة. فتجربته في سجن "برج العرب" استمرت 12 شهراً، ابتعد خلالها عن دراسته في كلية الهندسة بعدما حُكم عليه بتهمة التظاهر بلا تصريح، فكان يلتهم آهات الزنزانة بكتاب بحثي أو رواية، فذاق طعم الحرية. وعندما جاءته البراءة لينال حرية الجسد، لم ينس أن يبوح بسر الحرية داخل السجون، لمن ما زالوا بين جدرانه، فجاءته فكرة حملة "جمع الكتب للمعتقلين" وأعلنها عبر صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي، لتنتشر فكرته سريعاً وينضم اليها كث، فحصل على آلاف الكتب التي يعتبرها السجين وسيلته الوحيدة للشعور بطعم الحرية.

يقول محمد حمادة لـ"المدن" إنه حُكم عليه وشقيقه بالسجن بتهمة التظاهر بلا تصريح، وقضى في السجن سنة، وكان السجناء يشعرون بملل داخل الزنازين، لذلك فالروايات والكتب هي وسيلتهم لقتل الملل، "وكنت أقرأ في اليوم رواية كاملة مهما بلغ عدد صفحاتها". ويكمل: "حملة جمع الكتب للمعتقلين فكرتها المشاركة في جمع الكتب التي يريدها السجناء، فالكتاب له قيمة في السجن ولا يقرأه سجين واحد بل ينتقل من سجين إلى آخر، وعندما أعلنت عن فكرة الحملة، تواصل معي كثر من كافة أنحاء الجمهورية وخارجها، بل وجاءتني كتب من الولايات المتحدة".

ويضيف أن أكثر الكتب التي يطلبها السجناء هي الروايات، وأيضاً كتب اللغات والقواميس لأن الكثير من السجناء يستغلون فترة سجنهم في دراسة اللغات، وهناك من يطلب كتب التاريخ والجغرافيا، "ودائماً أتلقى اتصالات من أهالي السجناء لمعرفة طلبات ذويهم". وعن الكتب الممنوعة في السجون يقول حمادة: "تخضع الكتب للتفتيش في السجون، ولا يُسمح بدخول كتب السياسة وكتب الإسلاميين مثل حسن البنا وسيد قطب وغيرهما من قيادات الإخوان". ويقول حمادة إن الحملة كانت عبارة عن هاشتاغ #جمع_الكتب_للمعتقلين، الذي انتشر بشكل ملحوظ، "لكني مسحت التعليقات بسبب الضغوط الأمنية، إذ قبض على عدد من النشطاء، وأثناء التحقيق معهم وُجهت لهم اسئلة بخصوص حملة جمع الكتب للمعتقلين".
 
ويتحدث الشاعر والكاتب عمر حاذق إلى "المدن"، عن تجربته في السجن ومدى أهمية الكتب فيها، فيقول: "كانت تجربة مريرة، وأدركت أهمية الكتاب بالنسبة للسجين حيث أنها الوسيلة الوحيدة للتسلية والمعرفة، وتختلف السجون في تعاملها مع الكتب، فهناك سجون تسمح ببيع صحف الأهرام والأخبار والجمهورية ودخول الكتب، وأخرى ترفض دخول الكتب أو حتى ورقة وحيدة، وفي السجن هناك إقبال من السجناء على الروايات، خصوصاً الساخرة، ثم كتب التنمية البشرية، وكتب الألعاب والكلمات المتقاطعة والسودوكو، لكن لا إقبال على كتب التاريخ، أما الكتب المتخصصة فهي مطلوبة بحسب وظيفة السجين، وكتب الدراسة للطلاب المسجونين تدخل للسجن بشكل رسمي".

ويكمل حاذق: "الضابط المسؤول عن السجن يمتلك القرار بالسماح بالكتب، وبالتالي يخضع الأمر للأهواء الشخصية، فمثلاً حدث معي موقف عندما زارني المحامي الخاص بي في السجن ومعه روايتي التي ألفتها، فرفض الضابط المسؤول، وعندما أخبره المحامي أن في سجون الأرجنتين تخفف العقوبة للسجين الذي يقرأ، سخر منه الضابط قائلاً: إذهب الى الأرجنتين إذن!". ويضيف: "الكتب منتشرة بين السجناء الشباب أكثر من الكبار، وأيضاً بين السجناء المتهمين بقضايا تظاهر وأمور سياسية، فالسجناء الجنائيون غالبيتهم لا تقرأ". ويقول إن "الكتب السياسية ممنوعة في السجون، وضباط التفتيش يقرأون فقط عناوين الكتب لمعرفة مضمونها، فلو لاحظوا أن عنوان الكتاب خاص بالسياسة أو الثورة، سيتحول الأمر إلى أزمة كبيرة للسجين وأسرته، لذلك لا تغامر عائلات السجناء بذلك، لكن الروايات السياسية لو كانت عناوينها لا تدل على مضمونها مثل "رواية 1984" لجورج أورويل، ستمر، لأن الضباط لن يفهموا محتواها". ويستطرد: "السجناء الإسلاميون يميلون لقراءة الكتب الدينية، لكن شبابهم يحبون قراءة الروايات".

وعن أحوال المكتبات داخل السجون، يقول حاذق "مكتبات السجون غير مسموح للسجناء دخولها، فالضباط المسؤولون في السجن لا يشعرون بأهمية القراءة، لذلك لا يسمحون للسجناء بالتواجد في المكتبات". ويتحدث حاذق عن دوره في حملة "جمع الكتب للمعتقلين": "هذه حملات ذات أهمية في السجون، فهناك أُسر للسجناء تلجأ الى الحيل لإخفاء الكتب لتوصيلها لذويهم. فمثلاً، تخفي الكتب تحت الأطعمة، وتضطر إلى تغلفيها بشكل محكم حتى تمر من التفتيش في السجن". ويضيف: "أشارك في تلك الحملات بجمع الكتب المطلوبة في السجن، ومطالبة المهتمين بالسجون وأحوالهم بالتبرع بالكتب التي لا يحتاجونها، فالكتاب في السجن يمر على عنابره كافة".
يقول اللواء أشرف أمين، مساعد وزير الداخلية السابق، لـ"المدن"، إن "وزارة الداخلية تسمح بالقراءة داخل السجون، من خلال المكتبات التي تحتوي على كتب متنوعة، سياسية واجتماعية ودينية، لكن لا يسمح بالكتب التحريضية والتي تضر بالأمن القومي، مثل كتب حسن البنا وسيد قطب، وما يقال عن عدم السماح للسجناء بدخول مكتبات في السجن غير صحيح، فهذا حق أصيل للسجين". ويكمل أمين: "الكتب التي تصطحبها عائلات السجناء تخضع للتفتيش المشدد لحماية السجن من نشر أفكار محرضة ومغرضة بين السجناء من خلال الكتب، وتسمح إدارة التفتيش بدخول كافة أنواع الكتب إلا ما يُشتبه في مضمونه بأنه تحريضي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها