الإثنين 2017/08/07

آخر تحديث: 13:24 (بيروت)

"مين عم تشوف؟"

الإثنين 2017/08/07
"مين عم تشوف؟"
"من نشوفه" هو الذي نجتمع به بشكل متواصل، وعلى وتيرة منتظمة،
increase حجم الخط decrease
منذ مدة، صرنا نلاحظ أن أغلب الأحاديث التي نجريها مع صحبنا ورفاقنا وأصدقائنا، يتخللها، في بدئها، أو في حين انقطاعها الى السكوت، استفهام "مين عم تشوف؟". فيطرح المتكلم معنا هذا الاستفهام علينا، وبه، يقصد التعرف على اجتماعنا، والوقوف على أشخاصه، وذلك، للشروع في تحديد معشرنا، وقياسنا فيه، أو لمجرد دفع الحديث الى مجراه، والى بغيته، بعد هموده.

فقد غدا "الشوف" مساوياً للإجتماع المتكرر، اذ إن "من نشوفه" هو الذي نجتمع به بشكل متواصل، وعلى وتيرة منتظمة، ولأن هذه هي حالنا اتجاهه، فمن الممكن القول ان اجتماعنا به هو بمثابة لقاء معه. بعبارة مقتضبة: "من نشوفه" هو الذي، وفي اثر اللقاء معه، نمضي الى الاجتماع به ترسيخاً أو تمتيناً لصلتنا المولودة بيننا وبينه.

على أن "الشوف"، ولحظة التلفظ به استفهامياً، يحمل ثلاث معاني على الاقل. بدايةً، هناك معنى النظر، الذي، وعندما يكون فعلاً مجتمعياً، يتخفف، وينقلب الى تفرج نشيط أو ساكن، بحيث يضحى الاجتماع مع غيرنا ضربا من ضروب التفرج الذي نتبادله معه، فنتفرج عليه في أثناء ظهوره على شاشته، ويتفرج علينا في أثناء ظهورنا على شاشتنا، أما تكلمنا مع بعضنا البعض، فيدور كأننا نوصل عرض بثانٍ. وبالطبع، عيش الاجتماع على هذا النحو يتعلق، أولياً، بكون صياغته تحصل عبر وسائط ميديوية كثيرة، تقوم بالتواصل الصوري.

وهناك معنى آخر لـ"الشوف"، ولا يمكننا أن نقع عليه الا بالعودة الى استخدام ذلك الفعل، أي "الشوف"، في سياق مختلف. فعندما يذهب أحدهم الى عيادة طبية، نسمعه يقول "رايح شوف طبيب"، وعندما ينصحه قريب منه بزيارة تلك العيادة وطبيبها، نسمعه يقول له "لازم تشوف حدا". بالتالي، ومع انتقال "الشوف" من سياق العيادة الى سياق المجتمع، تبدل من كونه يعبّر عن فعل الاستعانة بطبيب طلباً للمعالجة من داء ما الى كونه فعل اجتماعي، وهنا، التبدل لا يلغي الإضمار. فـ"شوف حدا" يرادف الاجتماع به، لكنه، أيضاً، ينطوي على زيارة عيادية، التماساً لمعاينة أو لمداواة.

هكذا، يكمن في استفهام  "مين عم تشوف؟" استفهام "مين عم تشفي؟"، وهذا، ما تصوبه العربية حين تحيل فعل "الشوف" الى الإشراف والجلي، بحيث "من يشوفك" هو الذي يشرف عليك، ويجليك، وذلك، في أثناء تطلعك إليه. الا أن الشفاء، ولما ينطوي الاستفهام الاجتماعي "مين عم تشوف؟" عليه، يرتبط بالتفرج، ولا يعود معالجة، بل يكون فحصاً. فـ"من تشوفه"، من تجتمع به، هو الذي تتفرج عليه، وتفحصه، وهو الذي يتفرج عليك، ويفحصك أيضاً، وغاية الفحص المتبادل بينكما هو ما يمكن أن نسميه المواءمة التصورية: يجري لك فحصاً ليعرف إن كنت قادراً على  تمثيل تصوره عنك أم لا، إن كنت مناسباً لتحظى بدور في عرضه أم لا.

فإجتماع شاشتين هو اجتماع لكاميرتين، عدسة لعدسة، ولما تصور واحدة منهما، ينقلب الممسك بالثانية الى مؤدي أمامها، محاولاً تمثيل دوره في "السيناريو" المكتوب سلفاً له: انه امتحان الكاستنغ.

وثمة معنى ثالث لـ"مين عم تشوف؟"، وهو متصل بعبارة أخرى من عبارات اللسان اليومي، أي "شايفلك شي شوفة"، التي ينطق أحدهم بها ليصف غيره في حالة فرح أو حزن غريبين عليه:"شو بو متل شايفله شي شوفة". ان "يشوف شوفة" يعني أنه وقع على ما يحدث فيه تحولاً، يجعله على هيئة مخالفة لهيئته المعتادة والمألوفة.

اذ إن لحظة "الشوفة"، في هذا المطاف، بمثابة واقعة، بمثابة الاستثناء، الذي يعاكس القاعدة ويخل بها، وبهذا، كانت تدل على رؤية ما، رؤية تكسر رتابة العيش، وتمضي بممارسه صوب الفرح أو الحزن، وفي الوضعين، تحوله، تاركةً اياه مع حقيقة تسره أو تتعسه. الا أن "الشوفة" هذه، وبفعل ربطها بالاجتماع، وقبله العيادة، خسرت أثرها كحدث، وما عادت رؤية، ولا نظر، ولا مشاهدة، بل تفرج، فمن الممكن أن "نشوف" كثيراً، لكن، ذلك، لا يفيد بالضرورة أننا نرى، كما قد نسرع الى "شوفة" كثر، وذلك، لكي لا نرى، أو محاولةً منا للإنتهاء مما نرى.

"مين عم تشوف؟": على من تتفرج ومن تفحص، من يتفرج عليك ومن يفحصك، من الذي تدير تمثيله، ومن الذي يدير تمثيلك، وما هو دوركما في هذا "الفيلم السيئ"؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها