السبت 2017/08/26

آخر تحديث: 12:33 (بيروت)

مبارك خدع محفوظ بقلادة.. ودولة عربية رشته ليرفض "نوبل"

السبت 2017/08/26
مبارك خدع محفوظ بقلادة.. ودولة عربية رشته ليرفض "نوبل"
نجيب محفوظ كان متقشفاً
increase حجم الخط decrease
في حين كان من الممكن أن تمر ذكرى رحيل نجيب محفوظ الحادية عشرة، المتوفي في 30 أغسطس/آب2006، بلا صخب أو احتفاليات، أو أية مبادرة ذكية من شأنها إحياء سيرة صاحب نوبل في الأدب، كما هي عادة أجهزة وزارة الثقافة المصرية في تجاهل الاحتفاء برموزها الثقافية، وسط طنطنة لا تنتهي عن "قوة مصر الناعمة"، أجرت ابنة نجيب محفوظ، أم كلثوم، حواراً تلفزيونياً مع الإعلامية المصرية منى الشاذلي، احتفت خلاله الأخيرة بمعلومات يعلمها كثيرون، إلا جمهورها الذي يتابعها.


استعاد الحوار التلفزيوني لغطاً قديماً حول قلادة النيل، التي منحتها الدولة المصرية لنجيب محفوظ، العام 1988، في أعقاب إعلان فوزه بجائزة نوبل للآداب، اذ إنه من المعروف أن هذه القلادة يجب أن تكون مصنوعة من الذهب الخالص، عيار 18، وتزن ما قدره 440 غراماً. وعلى الرغم من أن ابنتي نجيب محفوظ كانتا قد صرحتا من قبل في حوار مع"أخبار الأدب" اجراه الصحافي المصري محمد شعير، أن أسرتهما اكتشفت، في أعقاب حصول محفوظ على القلادة، أنها ليست ذهبية، إلا أن الإعلامية منى الشاذلي أعادت استجواب ابنة محفوظ، لتبدو الحكاية كأنها "سكوب" لبرنامجها "معكم" الذي تقدمه على شاشة الفضائية المصرية "CBC". لكن قضية أخرى أثارها الحوار، وهي طبيعة نجيب محفوظ الزاهدة في أموال "نوبل"، أو حتى المطالبة بحقه في "ذهبية" القلادة.

الناقد الأدبي حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة، كشف لـ"المدن"، أن صمت نجيب محفوظ على هذا الأمر، طبيعي، ويتفق مع شخصيته، لأنه يتعامل مع المال بطريقة مختلفة. فالراحل لم يعبأ إلا بالقيمة المعنوية للقلادة، فتجاهل أن القلادة فضية، وليست من الذهب الخالص كما ينص قانون الأوسمة والنياشين المصرية.

يقول حمودة لـ"المدن": "تصرف محفوظ في قيمة جائزة نوبل المادية بشكل يكشف زهده الشديد، إذ قسم قيمة الجائزة، التي كانت تبلغ آنذاك 330 ألف دولار، إلى ثلاثة أقسام، قسم لابنتيه أم كلثوم وفاطمة، وقسم ينفق منه على احتياجاته الخاصة وأمور بيته، أما القسم الثالث، فخصصه لبريد الأهرام الذي كان يشرف عليه الصحافي المصري الراحل عبد الوهاب مطاوع، والذي كان يتلقى شكاوى كثيرة من مواطنين مصريين فقراء، لا يجدون ثمن شراء الأدوية، فتبرع محفوظ بالثلث الثالث من جائزته لتلبية احتياجاتهم".

لكن الأسئلة التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي عقب تصريحات أم كلثوم المثيرة، والتي جعلت من المعلومة القديمة، كشفاً وانفراداً جديدين، حامت كلها حول تفسيرين: هل صمت نجيب محفوظ على "مقلب القلادة" لأنه كان يتجنب الصدام مع السلطة؟ أم لأنه كان يستشعر الحرج من إثارة زوبعة مع دولاب الدولة المصرية الغارق في بيروقراطيته، والمعروف عنه اللجوء لحلول غير قانونية لحل أزمات أو سد نفقات تظهر فجأة مثل تكريم أديب كبير حصل فجأة على جائزة نوبل في الأدب؟


خلال الحوار المتلفز، مع ابنة محفوظ، وتناول كل شيء في حياة الأديب الراحل، وكافة تفاصيل حفلة الجائزة ومن سيتسلمها، وملابس أسرته في الحفلة، وغيرها من تفاصيل، متجاهلة إبداعه ومنتجه الهائل، تطرقت الشاذلي إلى هذه النقطة، وطرحتها بجرأة، على أم كلثوم، التي كانت تدعوها بـ"هدى" أيضاً، لكن الأخيرة كانت ترد بحصافة: "بابا مكنش مهتم بحكاية إن القلادة مش دهب، ودا سره اللي أنا قلته".

فتسأل الشاذلي بشغف، وفضول: القيمة المادية لجائزة نوبل: هي كانت كام؟.. كانت 330 ألف دولار سنة 1988. تجيب منى الشاذلي على سؤالها، قبل أن تطرح سؤالاً آخر، ليس له معنى: فكرتم في القيمة المالية للجائزة يا أستاذة هدى؟

يبدو السؤال غامضاً، كأن الإعلامية تنتظر من ابنة محفوظ إجابة جديدة لا يعلمها الجمهور، يبدو السؤال آتياً أيضاً من جانب صحافة النميمة التلفزيونية، التي تشبع نهم المشاهدين، وفضولهم، خصوصاً في ظروف اقتصادية سيئة. إذ تنبّه الشاذلي مشاهديها إلى أنهم يجب ألا يحسبوا قيمة الدولار بقيمته اليوم في 2017، وتدعوهم أن يحسبوه بقيمة 1988، عام فوز محفوظ.

تتطرق ابنة محفوظ إلى واقعة أخرى مثيرة في الحوار، تروي فيها قصة إحدى الدول العربية، التي عرضت على نجيب ضعفَي قيمة جائزة "نوبل"، في مقابل أن يرفض تسلمها، وتتمسك أم كلثوم بعدم الإفصاح عن اسم الدولة، لكن الحكاية تبدو متسقة في قالب زهد محفوظ، وتمسكه بالقيمة المعنوية. فحصول محفوظ على "نوبل"، كان فتحاً أدبياً عربياً، لم يتكرر منذ العام 1988، ورفضه للجائزة كان فخاً تمنى كثيرون حول محفوظ أن يقع فيه، لكنه نجيب منتبها لمحاولات المزايدة عليه، واستغل منبر الجائزة ليلقي خطاباً دان فيه قمع الانتفاضة الفلسطينية، والتفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. وجاء رفض محفوظ لهذه المحاولات، وتمسكه بالصمت في مواجهة القلادة المزيفة، متسقاً مع طبيعته الرافضة للضجيج والغبار، والمخلصة لمشروعه الكبير.

اللافت في القضية، أنه حتى كتابة هذه السطور، صمتت وزارة الثقافة المصرية تماماً عن أي تعليق، أو أي إشارة من قريب أو من بعيد تنفي قصة القلادة المزيفة، أو تؤكدها. فرئيس صندوق التنمية الثقافية، الدكتور أحمد عواض، المخول الإشراف على إتمام مشروع متحف نجيب محفوظ في تكية أبو الدهب الأثرية، رفض الإجابة عن استفسارات "المدن"، في ما يتعلق بذهبية القلادة، مكتفياً بالقول: "أنا ماليش علاقة بالموضوع دا"، وهي إجابة غير صحيحة، إذ ذكرت ابنة نجيب محفوظ، أن قطاع التنمية الثقافية، تسلم منها مقتنيات والدها، لعرضها في المتحف، ومن بينها القلادة، وذكرت أم كلثوم أن الموظفة فوجئت بأن القلادة من الفضة، وليست من الذهب.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها