الخميس 2017/08/10

آخر تحديث: 12:22 (بيروت)

جان شمعون... بعدنا طيبين، قول الله

الخميس 2017/08/10
جان شمعون... بعدنا طيبين، قول الله
الراحل جان شمعون وزوجته مي المصري.. ثنائي القضية الفلسطينية
increase حجم الخط decrease
توفي المخرج السينمائي جان شمعون عن عمر ناهز الـ74 عاماً، مخلفاً وراءه آثاراً سينمائية لها طيفها وحضورها في المدينة وتميزت بأنها طبيعية وميدانية وتحاول التركيز على الذاكرة والحرب....

بدأ واضحاً من خلال التعليقات الفايسبوكية مدى تركيز الكتّاب على مشاركة الراحل في البرنامج الإذاعي "بعدنا طيبين، قول الله" في بدايات الحرب الأهلية، وقد شكّل شمعون مع زياد الرحباني ثنائيّاً ناجحاً من خلال تناولهما الوضع السياسي والاجتماعي لبنانياً وعربياً بأسلوب ساخر، وكان معروفاً نقدهما اللاذع للاجتياح السوري للبنان مع عبارة "اختلط الحابل بالنابل، ويا أم الخصر المايل قولي لأم الجدايل حافظ (الأسد) غيّر فكرو وجيشو عا جونيه نازل". وذات مرة، روى شمعون، بعدما تم إيقاف البرنامج عبر إذاعة "صوت الشعب"، حواراً دار بينه وبين أحد قادة الميليشيات: "مستر جان أنتم عملتولنا مشكلة.. قلت له: شو؟ قال: بس تبدأوا برنامجكم، اللي على خطوط التماس بيوقفوا إطلاق النار.. قلت له ما نحن هيك بدنا، كانوا كلهم عندهم ترانزيستورات على خطوط التماس، بس نبلش نحكي أنا وزياد يوقفوا وما بقوا يقوصوا على بعض.. قلت له: ما نحن عاملين هالبرنامج لنوقف الحرب يعني".

كان برنامجا "أسطورياً" إذا جاز التعبير. وراودت الثنائي آنذاك فكرة مسرحيّة عنوانها "المفتاح الثاني عشر". فعندما كان أحد الأصدقاء يهاجر هرباً من ويلات الحرب، كان يترك مفتاح الشقة المشتركة التي تجمع الأصدقاء لدى جان. حتى أصبح عدد المفاتيح بين يديه 12 مفتاحاً.

فكّر جان في صنع فيلم عن فيروز، فنصحه زياد بعدم المغامرة لأن فيروز صعبة المزاج. لكن جان أقدم على المغامرة، وبعد جلسات عديدة، أقنعها بتصوير الفيلم... ودارت الكاميرا فعلاً. إلا أنها توقفت في المنتصف، بعدما تصاعدت حدة الحرب وانهمك شمعون بالسينما الميدانية والوثائقية. مع الانتباه إلى أن زياد الرحباني بات اليوم بعيداً من برنامجه الشهير وجوهره، وربما وجّه سهامه النقدية الى مكان آخر. أما جان شمعون فكان أكثر ميلاً إلى الصمت والاهتمام بالسينما الوثائقية.

 
الجانب الآخر في مسيرة شمعون، أن كاميراه الوثائقية لم تفارق فلسطين وقضيتها، الى جانب ذاكرة الحرب الأهلية... وهو كان يراهن على أهمية هذه الذاكرة، وعلى ضرورة استعادة أحداثها لجيل جديد في لبنان لم يعش سنواتها، وله الحق في معرفة ما جرى خلالها، وذلك من أجل تجنب الحرب في المستقبل. وهو، قبل أن يختار الكاميرا رفيقة دربه ويلتزم بالقضية الفلسطينية، كان ينوي التخصص في الهندسة الزراعية، لكنه اتجه إلى العلوم الاجتماعية والسياسية التي لم تروِ غليله، فكان الحظ حليفه عندما افتُتح معهد الفنون الجميلة في بيروت، حيث أمضى أربع سنوات من عمره.

في مطلع السبعينيات، سافر شمعون إلى باريس، حاملاً في حقيبته ما يكفي من الفكر النضالي واليساري لينخرط في مجتمع يعيش بغير وتيرته. في معهد لويلونير وجامعة "باريس8"، اطلع على التقنيات التي ستخدم رؤيته لاحقاً، وكانت التيارات الفكرية والإيديولوجية في باريس آنذاك وليدة أيار1968 الذي أثّر كثيراً في وجدان السينمائيين. بدأ شمعون عمله السينمائي مع فيلم "تل الزعتر"، بالاشتراك مع مصطفى أبوعلي، العام 1976، ثم "أنشودة الأحرار"، الوثائقي الذي كان تحية لحركات التحرر في القارات الثلاث...

سعى جان شمعون الى الانخراط في "المقاومة" على طريقته، فكانت كاميراته خير معبّر عن حال أبناء جنوب لبنان الذي يصفه "برمز محاربة العدو الإسرائيلي". ويعتبر شمعون أن المحور "يدور في هذه المنطقة الجغرافية التي تتجاور فيها مشكلتان: مشكلة الجنوبي الذي يهجّر من أرضه، ومشكلة الفلسطيني المهجّر أصلاً. والمشكلتان من فعل عدو واحد، هو إسرائيل".


بعد زواجه الحياتي والفني مع المخرجة مي المصري، كان فيلم "تحت الانقاض" (1982)، ليتبعاه بفيلم "زهرة القندول" (1985) الذي حصد لهما الكثير من الجوائز والاهتمام العالمي. قارب الشريط الوثائقي قضيةً شديدة الأهمية، هي دور المرأة، وخصوصاً الجنوبية، في مقاومة الاحتلال. لاحقاً، أتى تسجيل "جيل الحرب" (1989) ليقترب من بُعدٍ إنسانيٍّ آخر، هو الجيل الذي ولد في خضم الحرب وعاش هواجسها وحتى طقوسها، ليتبع هذه التجارب بـ"أحلام معلّقة" (1992) حيث تعاقبت على كاميرا شمعون أربع شخصيات همّشتها الحرب وهي مصممة على إعادة بناء حياتها من الصفر، والفيلم ارتكز على السيدة وداد حلواني التي خُطف زوجها أثناء الحرب، ما جعل جان يتعاطف مع مصير هذه المرأة.. وفي "رهينة الانتظار" (1994) يتناول قصّة طبيبة (الدكتورة ليلى نورالدين) تعود إلى جنوب لبنان لتسلط الضوء على المعاناة تحت الاحتلال وعلى هواجس الجنوبيين وتطلعات نسائهم.


في العام 2000، قدّم شمعون ـ وحده هذه المرّة- فيلمه الروائي الأوّل "طيف المدينة"، في مكاشفةٍ مباشرة مع الذات حول الحرب اللبنانية. وفي "أرض النساء" (2004) الذي قارب حكاية ثلاث مناضلات فلسطينيات، أولهن كفاح عفيفي الأسيرة المحررة من معتقل الخيام، وفدوى طوقان أولى شاعرات فلسطين، وسميحة الخليل إحدى رائدات المقاومة الاجتماعية والثقافية والشعبية ضد الصهاينة. من دون أن ننسى "يوميات بيروت" (2006) وكان أحد أواخر أعماله، بالاشتراك مع مي المصري. وأتى الفيلم بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

ينتمي جان شمعون، إلى الجيل المؤسس للسينما اللبنانية الجديدة، أي جيل برهان علوية ومارون بغدادي. أخرج وأنتج، مع زوجته مي، مجموعة من الأفلام التي نالت الكثير من الجوائز العالمية وعُرضت في أكثر من مئة بلد في العالم.  


(*) يُقام قداس وجناز لراحة نفسه يوم السبت 12 آب الجاري، في كنيسة مار تقلا الحازمية، عند الحادية عشرة قبل الظهر. وتُقبل التعازي قبل الدفن وبعده في صالون الكنيسة. كما تُقبل التعازي يوم الأحد 13 آب في "جمعية خرجي الجامعة الأميركية" - الوردية، بيروت، بين العاشرة صباحاً والسابعة مساءً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها