الثلاثاء 2017/07/04

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

موسى وهبه... الفلسفي المحض

الثلاثاء 2017/07/04
موسى وهبه... الفلسفي المحض
كان موسى وهبه يعتبر أنه "يمهد للفلسفة".. لكن مشروعه لم يكتمل
increase حجم الخط decrease
لا أدري لماذا كنت أتخيل موسى وهبه شخصاً عدمياً قبل أن أعرفه، منذ أن قرأت اسمه في جريدة حزبية قديمة في بداية التسعينات، ربما اسمه أوحى لي بذلك، لكني حين تعرفت إليه بدا أكثر انغماساً في الهدوء والكسل، أكثر انغماساً في التطرف للفلسفة والنص الفلسفي والقول الفلسفي والكلمة الفلسفية. يغالي في هذا الأمر بين الجد واللعب، يعمل بهدوء وصبر إلى درجة الملل. كنا نسمع عنه أنه بقي 12 عاماً يترجم "نقد العقل المحض" لإيمانويل كانط، ويكتب عن مصطلحاته ودوره في مجلة "الفكر العربي". في تلك المرحلة كان الكثير من أصدقاء وهبه ينظّرون للحرب، ويقيسون الأمور على قاعدة الولاءات والثورات والحروب واليمين واليسار، بينما بقي هو في ثقافته في دائرة اللانتماء، باعتبار أن "الحرب هي الحرب".

كان موسى وهبه شهيراً بهدوئه ونظرته ورفع حاجبيه، يتحدث في الفلسفة من دون مؤثرات خارجية. لم يتأثّر قطّ بالعنف الذي ساد في لبنان في فترة الحرب الأهلية. حتى انتماؤه إلى الحزب الشيوعيّ (1968 -1978) لم يشكّل منعطفًا في حياته. وفي الكثير من حواراته كان يعتبر هذه المرحلة الأسوأ في حياته، وتردد أن كان يكتب سيرة "سفر الخروج" عن القطيعة مع الماركسية، لكن كتابه لم ير النور حتى الآن. فموسى وهبه الذي برز، مثل الكثير من المهتمين بالفلسفة، في نهاية الستينات، شكلت قراءته لكانط، المنعطف الكبير في مسيرته، وبات يكتب معظم تمريناته انطلاقاً منه ومن نقد الحاجة إليه... وهو في الطبعة الجديدة من "نقد العقل المحض"، في هذه الترجمة، بقي مصراً على لفظ أفهوم، حيث يستخدم "أهل الشام" لفظ مفهوم و"أهل مصر" تصوّر، بحجّة أن الأفهوم فعل تفكير وليس حصيلة تفكير، وأن التفكير يكوّن موضوعه من المعطى ولا يكتفي بتصوّره. وكان لا يزال مصرّاً على تجوّزه اللغوي في استعمال فعل فكَّر فعلاً متعدّياً مباشرة (هل يجب التذكير بأن التعدّي هنا لا يعني العدوان على بل تعدّي الفاعل إلى المفعول به؟)، والقول: فاهمة وحاكمة ومخيِّلة، للإشارة إلى فاعليّة الذهن العارف عند كانط؛ هذا بالإضافة إلى ثام ثيمة، وشام شيمًا وشيمة وشيامة، كتعريب مبتكر ومثير للجدل في آن.  

كان موسى وهبه يعتبر أنه "يمهد للفلسفة"، لكن مشروعه لم يكتمل. حين حاورته في المرة الأولى، أعطاني معنى آخر للفلسفة، يقول في أحد حواراته: "لم يفقد العرب إمكان التفلسف، التفلسف ما زال ممكناً ولكنّهم اليوم لا يتفلسفون، بمعنى أن النصوص المسمّاة فلسفيّة هي ليست فلسفيّة، بل هي تعليميّة أو على هامش الفلسفة، أي أن المفكّرين العرب لم ينتجوا نصوصاً فلسفيّة باللغة العربية، بمعنى النصوص البادئة التي تؤسس لشيء جديد"...  

مفارقة موسى وهبه انه من أكثر المتعمقين في الفلسفة، لكنه لم يصدر كتاباً فلسفياً. اقتصر انتاجه على ترجمات قليلة لهيوم وكانط ونيتشه وهوسّرل وهيدغر، ومجموعة أبحاث ومقالات نشرت في دوريات لبنانية وعربية، كانت لكانط حصة الأسد منها، ونشر في صفحته الفايسبوكية شهادات في شخصيات ثقافية رحلوا وكانوا من أصدقائه، منهم الكاتب حسن قبيسي والشاعر محمد ىالعبدالله. وإذ كان موسى وهبه مقلاً في انتاجه الفكري، لكن ما كتبه كان له وقعه، سواء مقالاته عن الحرب، او حتى شرحه للتمييز بين مفهوم وأفهوم، الى جانب العديد من المصطلحات التي أوجد لها مرادفاً عربياً.

كان يبحث عن قول فلسفي بالعربية. ففي محاضرة ألقاها في تونس العام 2006، بعنوان "هيدغر بالعربيّة"، ما يلي: "مستقبل القول الفلسفيّ بالعربيّة، إمكان قول الفلسفة بالعربيّة منوط إذن باستيضاح الحاجة العربيّة إلى الفلسفة. هل هي حاجة لاستخدام الفلسفة أم لخدمة التفلسف (لراحة العقل كانت القدماء تقول)، وبتأمين المناخ اللغويّ المناسب الذي ليس سوى إحضار التراث الفلسفيّ، وما أسمّيه جسد الفلسفة الحيّ، إلى العربيّة".

في المرة الأخيرة التي التقيت فيها موسى وهبه في معرض الكتاب، كان يقول في حوار عابر أن قراءة الفلسفة تحتاج الى قلم ومسطرة، وكل جملة يجب تحليلها وتعليلها. 

موسى وهبه، الفلسفي المحض..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها