الإثنين 2017/07/31

آخر تحديث: 14:27 (بيروت)

سَكرة عرسال وفِكرة الدولة

الإثنين 2017/07/31
سَكرة عرسال وفِكرة الدولة
الملاحظ في شعار "الجيش والشعب والمقاومة".. غياب الدولة
increase حجم الخط decrease
طوال مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، وتحديداً خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، كنا نعيش في لبنان تحت وطأة "تلازم المسارين" (السوري واللبناني)، و"وحدة المصير والمسار" و"شعب واحد في دولتين" و"ما بين لبنان سوريا لم نصنعنه نحن انما صنعه الله"، و"وجود الجيش السوري ضروري وشرعي ومؤقت"... فأرهق لبنان بهذه الشعارات الرنانة والأسدية البعثية. ومع انسحاب الجيش السوري في العام 2005، توهم كثيرون بأحلام 14 آذار وأفكارهم السيادية و"لبنان أولاً"، وهذه الأحلام تصدعت سريعاً بعد حرب تموز2006، وبدأ "حزب الله" يتبلور كقوة بديلة عن الجيش السوري، سواء من خلال إبرام تحالفات جديدة (التفاهم مع التيار الوطني الحر)، أو من خلال الميدان، مرة بغزوة 7 آيار2008، ومرة بفزاعة "القمصان السود" وصولاً إلى تعطيل مفاعيل الانتخابات النيابية. بمعنى آخر، كان "حزب الله" قوة لا تحكم بشكل مباشر، لكنها تعرقل أي طريقة للحكم من دون موافقته.

مع مرحلة الحرب السورية، والآن معركة جرود عرسال، ومع ازدياد تصدع القوى التي كانت تسمي نفسها "سيادية"، زاد "حزب الله" انغماسه في الحكم، أو فرض مراده وتأكيده على معزوفة "الجيش والشعب والمقاومة"، أي طريقته في الحكم. وهو طوال مرحلة ما بعد الانسحاب السوري، رفع شعار ما يسميه "ثلاثية ذهبية"، وكان موضع جدل دائم في البيان الوزاري خلال الحكومات المتعاقبة، وهو الشعار البديل عن "تلازم المسارين". وأيضاً طوال سنوات، كانت جلسات "الحوار الوطني" أو جلسات البحث في القضايا العالقة، خصوصاً السلاح غير الشرعي، تهدف، بالنسبة إلى "حزب الله"، إلى تشريع سلاحه والقول إنه الرادع الأوحد، وأي كلام آخر لا معنى له. لم يكن هدفه من المشاركة في الحوار، البحث عن "استراتجية دفاعية"، كما يتوخى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أو الرئيس فؤاد السنيورة، وحين توصل الرئيس ميشال سليمان الى "إعلان بعبدا" القاضي بالنأي بالنفس عن الحرب السورية، اعتبره النائب محمد رعد "حبراً على ورق". هذا مع زيادة في تصدع خصوم الحزب، إما بسبب مصالحهم أو ولاءاتهم، وقد أدركوا أخيراً أن سلاح "حزب الله" ليس مسألة محلية، ولا يمكن زحزحته بتصريحات ومواقف من هنا وهناك. وربما أدركوا أيضاً أن "حزب الله" يساوي سلاحه، ومن دونه يتحول إلى مجرد هامش، فبدأوا بالتعامل مع الواقع بنوع من الاستسلام...

مع معركة جرود عرسال، استطاع "حزب الله" كسب الرأي العام المحلي تحديداً. فهو ساهم في صناعة الوحش، وفي اللحظة المفصلية، قتله. بات لبنان أمام فيلم سينمائي أو مسرحية حربية ينتصر فيها "البطل" الروبن هودي، إذا جاز التعبير على الشر. عرف "حزب الله" في الوقت المناسب، كيف ينتصر اعلامياً، بغض النظر عن تفاصيل الميدان. ظهر الكثير من السياسيين (خصوم الحزب) في لحظة ضياع أو ترهل، أو استفاقوا متأخرين. أحدهم اعتبر أن المعركة تجري خارج الأراضي اللبناني، وآخر قال إنها في منطقة نزاع بين لبنان وسوريا، وكأن عرسال، شبعا ثانية. وأشاد آخرون بتضحيات "حزب الله". بينما بشّرنا النائب حسين الحاج حسن، بعد الانتصارات، بالشرق الأوسط الجديد، ويقصد الشرق الإيراني والممانع، وليس الشرق الأميركي.

استطاع "حزب الله" أن يفرض هيمنته حتى الساعة، بقوة، بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية، مروراً بقانون الانتخاب، ومع معركة جرود عرسال من خلال البروباغندا الشعبوية. وإطاحة فلول "جبهة النصرة"، كانت بالنسبة للكثيرين (خصوصاً في الوسط المسيحي والإعلامي)، انتصاراً على الشر الشيطاني الآتي من الحرب السورية والتنظيمات المتطرفة. وبدا أن وهج اللحظة أقوى من طموحات الجمهورية اللبنانية ومؤسساتها. وفي مكان ما، فإن الانتصار، وإن تخلص من بؤرة خطرة، يبقى مزدرياً لمفهوم الجمهورية اللبنانية ومفهوم الدولة، وهذا ما انتبه إليه بعض "السياديين" عندما استفاقوا من سَكرة الانتصار.

والملاحظ في شعار "حزب الله" (الجيش والشعب والمقاومة)، هو غياب الدولة. وإن وجد الجيش في المعادلة الثلاثية، فذلك باعتباره مؤسسة للدولة، كأن كلمة "المقاومة" وجدت لتكون بديلاً من الدولة، أي أنها صاحبة القرار السياسي والأمني...

والسؤال الدائم هو: ماذا بعد معركة جرود عرسال؟ ربما البعض لا يعيش إلا بحَرب دائمة، على طريقة أن السِّلم استراحة بين حربين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها