الأربعاء 2017/07/26

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

حزب الله "سيداً" على بلدين

الأربعاء 2017/07/26
حزب الله "سيداً" على بلدين
"حزب الله" لا يضحّي كرمى لسواد عيوننا، وليس "في سبيل الوطن"، بل له ثقافته وامتداده ومشروعه
increase حجم الخط decrease
غالباً ما أتردد أو اتفادى الكتابة عن عرسال وقضيتها، أولا لأني من مواليد هذه البلدة، وثانياً لأتجنب الدخول في عدوات وسجالات ومناكفات، أنا بغنى عنها في هذا الزمن، وثالثاً لأتفادى منطق العواطف الذي لا أحبذه في الكتابة...

وإذا أردت ان أكتب عن عرسال بشكل مختصر، وخارج منطق الخيبات والأحلام من هنا أو الانتصارات الإلهية هناك، اقول إن الدولة اللبنانية تتحمل مسؤولية كبيرة على كافة المستويات عما جرى ويجري عرسال، فعدا عن التهميش المزمن في هذه البلدة على كافة المستويات، فهي (أي الدولة) بقيت في دور المتفرج او المتواطئ خلال الأزمة السورية إلى إن وقعت الواقعة، وامتلأت عرسال بالنازحين وحصلت معركة آب 2014. يومها، انتبه أركان النظام اللبناني للخطر، وعلموا أن عرسال ولبنان في قلب النار. ومنذ البداية، لم يكن أركان النظام اللبناني جديين في التعاطي مع الملف الحدودي.

يتحمل "حزب الله" جزءاً كبيراً من المسؤولية عما حصل ويحصل في عرسال وجرودها، فهو لطالما أرادها منطقة لإيصال الرسائل، ولتفعيل الانقسام السياسي والمذهبي، وهو أكثر من ساهم في تهجير السوريين ودفعهم الى المجيء الى عرسال وجرودها، من القصير ومن عسال الورد وحتى طفيل... أراد "حزب الله" محاربة "الإرهابيين" في سوريا لحماية لبنان، فطردهم حتى أصبحوا في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، واليوم يستثمر بطولاته بطردهم من جديد لا نعرف إلى أين، عسى أن تنتهي الأمور على خير...

يتحمل المسلحون من "جبهة النصرة" وأخواتها، الجزء الأكبر من المسؤولية. إذ، جلّ ما فعلوه، أنهم مارسوا غباءً منقطع النظير وهمجية منقطعة النظير، لم يتركوا صديقًا لهم لا في عرسال ولا في جوارها بسبب أفعالهم الكارثية، بدءاً من ذبح العسكريين، مروراً بالسيارات المفخخة والاعتداء على المواطنين، وصولاً الى احتلالهم الاراضي وجعلهم أشجار المزارعين والفقراء وقوداً للشتاء.

ويتحمل بعض المنتفعين "العراسلة" جزءاً كبيراً من المسؤولية عما حصل في عرسال، فهم بسبب مصالحهم، ورّطوا كثيرين وجلبوا السمعة السيئة لبلدتهم...

يتحمل معظم الإعلام اللبناني، بكافة تلاوينه ولهجاته وكتّاب مقدمات أخباره، جزءاً كبيراً من المسؤولية، فوعاظ النشرات الأخبارية وبرامج "التوك شو"، كانوا يستسهلون كتابة التقارير عن عرسال انطلاقاً من تعليمات أمنية أو حزبية موجهة، أو شوفينية أو عنصرية وفئوية. كان معظم الاعلام يستسهل شيطنتها من جهة، أو التغرير بها من جهة ثانية، وبين هذا وذاك أصبحت عرسال وقوداً للانقسام السياسي اللبناني، وأغرقت في الأزمة السورية من دون أن تدري، وربما تدري حين توهمت بالربيع العربي...

المجتمع الدولي أيضاً يتحمل المسؤولية، فهو منذ البداية مهّد لعرسال لتكون مخيماً، ولتكون جزءاً من الأزمة السورية....

بالطبع الحديث عن الماضي وما حصل لم يعد يفيد البتة. لقد حصل ما حصل، ودفع أبرياء كثر، ثمناً لقضايا لا علاقة لهم بها، وهي أكبر منهم. والسؤال الآن: ماذا بعد "تحرير" جرود عرسال؟ هناك الكثير من التكهنات قيلت وتقال وستقال... بالمختصر، غداً سيقول "حزب الله  لأهالي عرسال (وربما قالها من قبل بشكل مبطن ومعلن): لقد "حررنا أرضكم فالأمر لنا"(على طريقة مقالات "الأمر للمقاومة" في جريدة "الأخبار")، متناسياً أنه شارك في جعل الأرض ضمن الكماشة الأمنية والمسلحين. عرف "حزب الله" كيف يصنع هيمنته على المشهد اللبناني، كيف يقوم بدور "المخلص" و"المنقذ"، وساعده في ذلك أمراء "النصرة" و"داعش" وفهلويات بعض السياسيين اللبنانيين.

وسيقول "حزب الله" للسياسيين في لبنان: "نحن الدولة، حررنا الجنوب من الإسرائيليين وحررنا الجرود من الإرهابيين"، ولا أحد يمنع "حزب الله" من قول ذلك، طالما أنه اختار الجنرال عون رئيساً، شاء من شاء وأبى من أبى، وفرض النسبية قانوناً. وسؤال عمّا بعد تحرير الجرود، ربما يكون جوابه أنه، كما بعد تحرير الجنوب في العام 2000، كما بعد الانسحاب السوري من لبنان في 2005، وكما بعد حرب تموز2006، نتوخى الأمل، فنجد أنفسنا في مزيد من اللا-أمل. فحزب الله لا يقدم التضحيات كرمى لسواد عيوننا، وليس "في سبيل الوطن" الذي كنا نتعلم ثقافته الفولكلورية في المدارس الرسمية... "حزب الله" له ثقافته وامتداده ومشروعه، وبات له فائض قوته ودوره الإقليمي.

حين أصدر الكاتب وضاح شرارة كتابه "دولة حزب الله/ لبنان مجتمعاً إسلامياً" في منتصف التسعينات، وصف "حزب الله" بأنه "خادم لسيدين"(أي الأم الحنون إيران والحليف الاقليمي "سوريا الأسد"). وبعد اندلاع الحرب السورية، بات حزب الله "سيداً على بلدين" تقريباً... فاستطاع أن يقضم السلطة اللبنانية بشتى الوسائل منذ انسحاب الجيش السوري، وحصدت قوى 14 آذار الشعارات والأوهام. واستطاع أيضاً أن يكون صاحب الدور الإقليمي في سوريا التي باتت مستعمرات نفوذ للدول والجماعات، ومن ضمنها "حزب الله" الذي بسط سيطرته، من مدينة القصير حتى محيط دمشق.
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها