الثلاثاء 2017/07/25

آخر تحديث: 13:31 (بيروت)

شيوخ الآندر غراوند

الثلاثاء 2017/07/25
شيوخ الآندر غراوند
increase حجم الخط decrease
1
منذ سنوات قليلة، ظهر في مصر مصطلح "الآندر غراوند". مطربون بحثوا لأنفسهم عن صيغ بديلة تبتعد من الأنماط التقليدية. المؤسسة الرسمية ليست ضرورة، وعدم توافر إنتاج ضخم لن يحول بينهم وبين ما يحبون. السوشال ميديا تساعد كثيرًا. التكاتف والمجهود الذاتي سبيلهم لتقديم المشروع.

التعبير يستخدم في مصر مجازًا، بعدما جاء من أوروبا حيث يستخدم في وصف حرفي لفرق غنائية تمارس نشاطها في محطات "مترو الأنفاق". في مصر ليس هناك من يغني في محطات المترو. ليتهم استطاعوا الغناء، قبل أن يبحث الراكب حوله فلا يجد سوى العمامة.

2
الآن، أصبح باستطاعة راكب مترو أنفاق القاهرة المرور على "كشك" صغير بعد نزوله في المحطة الخاصة به، ليستضيفه أحد شيوخ الأزهر، بالزي الرسمي للمشيخة، ويجيبه عما يريد من أسئلة في مناحي الحياة! ذلك بعدما وقعت مؤسستا الأزهر والمترو اتفاقية تعاون لنشر "أكشاك الفتوى" في المحطات، حيث تتجلى تأملات المواطن المصري في جدليات الحياة المحتاجة إلى فتوى شرعية وهو جالس داخل عربة المترو يفكر في تفاصيل الدنيا والآخرة والمجرّات المجاورة في فضاء الكون الفسيح.

أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمؤسسة الأزهر، قال للصحافة إن مشروع "أكشاك الفتوى" يهدف إلى "محاربة التطرف الديني". مؤسسة الأزهر التي تستسهل ساحات المحاكم للفصل بينها وبين الكُتّاب والمفكرين، وتتسبب في سجنهم كعقوبة على التفكير، هي ذاتها المؤسسة التي يعتمد عليها الرئيس والحكومة في مشروعهما القومي لتجديد الخطاب الديني، والترطيب على قلب المواطن الموجوع بأفكار تحتاج الفتوى.

أمين عام المجمع طمأن الجميع بأن المشروع، أيضًا "سيصب في مصلحة المسلم وغير المسلم"! طبعًا ليس المقصود أن مسيحييّ مصر سيمرّون على أكشاك الأزهر لأخذ فتوى مجانية. هو غالبًا يقصد أن تلك الطريقة في التوعية الفكرية ستمنع الإرهاب الذي يستهدف المسيحيين.

3
السخرية مريرة:
ـ "يا شيخ أركب حلوان منين؟".
ـ "من قال لا أعرف محطة المرج فقد أفتى".
ـ "هل يجوز للمسلم النزول من المترو في محطة مار جرجس؟".

وبينما يسخر المجتمع الثقافي من حكاية أكشاك الفتوى، واجه المثقفون انتقادات عديدة من صفحات لا يبدو على أصحابها انتماءات دينية، غير أن هؤلاء المنتقدين يأخذون على المثقف المصري عدم اجتهاده في الاقتراب من الشارع، والاكتفاء بالجلوس في مقاهي وسط المدينة أو أمام فايسبوك. ويتساءلون: "ليه الكُتّاب والمثقفين والفنانين معملوش حاجة مشابهة تقربهم من المواطن بدل ما يهروا وينظّروا وهم قاعدين في أماكنهم؟".

الإدلاء بالدلو أمر مشروع، ويحق للجميع ممارسته في ما يعرفه أو لا يعرفه، هكذا تلقيت تلك الانتقادات برحابة، وفكرت في حقي في ممارسة الفعل نفسه مثل الجميع، وأن أدلي مثلهم بشيء ما.

ليس من أدوار الكاتب أو الفنان، أن يبحث لنفسه عن مكان للجلوس في الشارع وعمل نشاطات تقرّبه إلى المارة. هؤلاء أشخاص دورهم، إذا افترضنا لهم دورًا، سيتلخص في إنتاج المعرفة والثقافة والفنون، وهي أشياء مفترض ترويجها وتوصيلها للمواطن من خلال دولة لديها مشروع يهتم برفع وعي وذوق شعبها، وبالتالي رفع شأنها كدولة لا تتوقف عن الحديث عن إرثها الثقافي والفني، وكليشيه "7 آلاف سنة حضارة".

ليس في مصر أكثر من الكتّاب والفنانين والإعلاميين ورجال الدين، لكن الدولة اختارت وضع يدها في يد الذين يساعدونها في ترويج مشروعات تغييب الوعي والذوق، إعلامياً ودينياً، إلخ. الكاتب والفنان "المستقل" في مصر، لم يعد هناك من يساعده على التواصل مع الشارع غير مؤسسات وكيانات صغيرة "غير رسمية". وطبعًا لا أحتاج للإشارة إلى أن بعض هذه الكيانات يواجه اتهامات تصل إلى "الجاسوسية"، عندما يأتي الحديث عن التمويل و"الفندات".

رغم ذلك، هناك من حاول من الكتّاب والفنانين أن يقترب من الشارع، وبالمجهود الذاتي. هكذا أتذكر "الفن ميدان"، الاحتفالية الفنية الشهرية اللافتة في ضخامتها، وتقدم الفن للرايح والجاي. رسم للأطفال وغناء وشعر وعروض رقص شعبي وحلقات للحكي الشفاهي وغيره. كان ذلك بالمجان والمجهود الذاتي للقائمين عليه. تختلف على تفصيلة تنظيمية أو تتفق معها، لكن ما كان يحدث يحمل فائدة بشكل أو بآخر، المتعة غير الهادفة لقيمة أخرى على أقل تقدير.
غير أن الدولة الخائفة دائمًا وأبداً من الفن والثقافة، ألغت "الفن ميدان" لأسباب أمنية، رغم أنه لم يتحول أبدًا إلى تظاهرة سياسية ولا يحزنون.

4
نعم، الكتّاب والفنانون ليس لديهم ما يفعلونه غير الاستجابة لمشروع عام والتعاون معه، حال وجوده. بينما في ظل غيابه، لن يستطيعوا فعل شيء أكثر من الكلام والكتابة والغناء والرقص، ولو لأنفسهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها