الإثنين 2017/07/24

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

ولكن، البلاد ليست "صورة لبنان"

الإثنين 2017/07/24
ولكن، البلاد ليست "صورة لبنان"
لمنطق الحفرة وكلامها وجهات عدة
increase حجم الخط decrease
ما أن تقع تلك الحوادث التي تبين أن لبنان سيئ الحال والمآل حتى ينتشر كلام على لسان الكثرة يخلص في عقبه الى الحضّ على الهجرة. وقبل أن يصل هذا الكلام الى خلاصته يدور على شدة تململه وحدة شكايته، وهو دوران قريب من النشوب، ليس في "حلقة مفرغة" على ما يقول أدب الأزمة الذائع، بل في حفرة طافحة، بمعنى أنها مملوءة وجافة على حد سواء. 
اذ تفيض حفرة ذلك الكلام بالإستهامات، التي تفضي، في صعيد منظورها الواسع، الى الاعتقاد الضيق بأن البلاد صورة، ولما يرتطم مجموعها بعكس معتقدها هذا، أي أن البلاد ليست صورة تقوم بالتماثل والتماهي، حتى ينقلب ذلك المجموع الاستيهامي الى مجموع استكشافي، بحيث يصف خارجه على سبيل استقصائه، وبنبرة إماطة اللثام عن سره.

وبالتالي، ولأن حفرة ذلك الكلام تفيض بالاستهامات، التي تحمله على قلبها الى استكشافات، تبدو، في هذه الناحية بالذات، جافة من الحلول، فيتخثر كلامها عند وصف الطارئ على معتقده، ولا يؤدي سوى الى وضع من قبيل اليأس والنكوص: الاستيهام أن لبنان صورة، ثم، الاكتشاف، ويا لهول هذا الاكتشاف، أنه ليس صورة، وبذلك، التأكيد على لا-إمكانية الحلول به، على محال الإقامة فيه، وعلى ضرورة الكف عنه. بعبارة أمرية واحدة: لا تتعاطوا هذه الصورة لأنها، وعلى اثر ظهور خارج لها، ما عادت صورة صالحة للسكون فيها، ولا بد من الإنسحاب منها، فقد بلغها الخطر أو الانهيار.

يذهب كلام الحفرة، ومنطقه، من فرضية خاطئة، ويصل الى نتيجة شبيهة بها. فبديهية الإشارة الى أن البلاد ليست صورة تتألف، وعلى نمط واحد، بالتماثل والتماهي، وحين يلوح مغايرها، مغاير تلك البلاد، فهو اياها، أي أنه هي. فتبدأ البلاد وتحضر، فعلياً، خارج تلك الصورة، التي قد تشكل جزءاً منها، لكنها، لا تختزلها البتة. ولحضور البلاد هذا ملامح وسمات، لا يمكن لأي محدق سوى أن يراها، مرةً، كامنة، ومرةً، بائنة، وبمعنى آخر، راهن ذلك الحضور لا يجيء بما يسمى "كارثة" مثلاً، لأن، وببساطة، "الكارثة" موجودة مسبقاً، والتباغت الدائم بها يندرج في سياق النكران، النكران الغليظ، الذي ينتج، ومع تعطله، ومع بلوغه منتهاه، مقولة تفيد بإسقاط انسداده على حالة عامة بأكملها، فـ"الأفق مسدود" قبل صياغة الدعوة الى الاختفاء من أمامه.

لمنطق الحفرة وكلامها وجهات عدة. وجهة استديوهاتية، حيث تتحول البلاد الى "صورة لبنان". ووجهة احتفالية، حيث يجري تظهير هذه الصورة على منوال ذلك المهرجان، صاحب شعار "عم نحلمك يا لبنان". ووجهة استهلاكية، حيث تغدو تلك الصورة موضوع تجرع، كما لو أنها كبسولة LSD. ووجهة سياحية، حيث أن المواطن سائح، ينزل على طريق العبور. 
وعندما تتضح البلاد من خارج "صورة لبنان"، يهدد الاستديو بالإقفال، وقبل ذلك يتلصص على ما في خارجه بعين اكتشافه، مثلما أن الاحتفال بالصورة ينقلب الى حداد عليها، كما أن استهلاك الصورة يتغير الى انسحاب وتبرأ منها، أما، السياحة فتعقد النزول والعبور على نية الترك. فـ"صورة لبنان" موصدة ومكتفية باستهاماتها الى درجة أنها لا تدرك موضوعها ولا تتحمل أي علامة منه، لا تتدرك ولا تتحمل البلاد، ولذلك، ولكي تتستر على انفصالها الفوقي عنه، تعلن أن لا حلول فيه، وليس فيها.

على عكس موضة الابتئاس، التي غالباً ما تنطوي على احتفاء مضر، لا مناص من التشديد على النافل: "صورة لبنان" ليست البلاد، وأن هجرة الثانية على اثر الاولى ليست هجرةً، بل تمسك بتلك الصورة، وسفر بها، وإعادة انتاج لها، علّها تجد مَن تجذبه. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها