الإثنين 2017/07/24

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

حالات سعدي يوسف

الإثنين 2017/07/24
حالات سعدي يوسف
ما زالوا يذكرونهُ كشاعر ويعيشون معه كشتّام!
increase حجم الخط decrease
فكرتُ كثيراً قبل أن أكتب عن "ظاهرة" سعدي يوسف الفايسبوكية في السنوات الأخيرة. وهل يستحق الأمر أن نتوقف عنده أم لا. لقد انقسم العراقيون والعرب حول ما يكتب منذ سنوات، تحديداً منذ الاحتلال الأميركي للعراق. هذا الوصف الذي لا يتقبلهُ البعض ويسمونهُ تحريراً. كان موقف يوسف واضحاً من الاحتلال والحكومة التي تشكلت على أثره، ولم يغير موقفه قط بل لم يمل ولو مجرد ميل، نحو أمل في التغيير من كل ما حدث. لم يزر العراق الذي خرج منه خائباً وعابَ على شعراء كبار ومعروفين زاروا العراق بعد بقائهم في المنافي سنوات طويلة، وشاركوا في العملية الانتخابية، وهذا ما اعتبره يوسف تواطئاً مع الاحتلال. لا يخشى الشاعر من الهجوم على أي أحد كان، وهو غير المدين لأحدهم أو لم يورط نفسه بصفقات فاسدة من أجل مناصب يسعون إليها بكل ثمن. أصبح الشاعر محط شتائم وسخرية الكثيرين، يدخلون صفحتهُ ويعلقون بعبارات لا أعتقد أنني سمعتها في صفحة شاعر آخر. يختارون وينتقون كل ما يمكن أن يهين الشاعر الثمانيني، وبالمقابل وبشكل مثير للنظر، يبقي على هذه التعليقات ولا يحذفها، ويرد على بعضها أحياناً. 

مجرد التفكير أن شاعراً "كان" كبيراً وقامة من قامات الشعر متواجدٌ بنفسهِ في مواقع التواصل الاجتماعي، يتابع بشكل يومي الأحداث ويشارك بنفسهِ بتعليقات أو ما يسميه البعض "شعر سيء"، رغم أن الرجل أكد أكثر مرة أن هذه النصوص التي ينشرها ليست شعراً بل ما يخطر في باله في اللحظة. ومن يتابع موقعه الفعال منذ سنوات على الانترنيت، وكيف أنه يجدده بشكل يومي ومنتظم، سيدرك؛ أن الشاعر لا يعاني من مرض الشيخوخة أو الخرف كما يحب من يعاديه أن يبرر مواقفه. ولا يمر في حالة الزهايمر لينسى نفسه كشاعر ولا يعاني من داء العظمة، كي نبرر ظهوره المستمر بيننا بقنبلة يفجرها هنا وهناك.

هو مجرد شاعر لا يملك غير شعره، خرج محبطاً من بلاده مثل الآلاف، وظن أن المنفى سيكون محطة عودة موفقة في يوم ما إلى وطن حلم به. هو مجرد حالم علق في حلمهِ في زمن معين ويجد صعوبة في مغادرتهِ. لكن الأمور لم تسر على ما يرام والوطن الذي ظل ينتظره يكاد يتلاشى تحت حكم طائفي واضح النهج والمنهج متجه نحو نظام ميليشياوي ويميل إلى التقسيم في اتفاقيات مبطنة ستظهر تفاصيلها للعوام بعد أن تتم. هذه الحكومة التي عرّفت الكثيرين، ربما لأول مرة، أو ذكرتنا أن الشاعر هو من الطائفة السُنية. لم يقلها يوسف بنفسهِ ولم يتفاخر بها يوماً، بحسب اطلاعي ومتابعتي، ولكن اتهامه الباطل بالطائفية رسخ في ذهن شريحة واسعة من العراقيين أن الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف هو سُني! كما ذكرتنا "الثورة السورية" أن أدونيس علوي حتى نسينا في لحظة ما أنهما شاعران!

مواقف شعراء كبار مثل يوسف وأدونيس من "الربيع العربي" وما تلاه مفهومة. فهؤلاء عاشوا حقبة مختلفة عنا، نحن الجيل الذي عاش الحروب المتعاقبة وانتظر بصيص أمل من أجل ولادة الصرخة الأولى. لكن، ما هو غير مفهوم أن لا يتفهموا الناس الذين لا يشبهونهم في شيء ويستمرون في وصفهم بالرعاع والجهلاء، ومظاهرات تخرج من المساجد ومعاقل الإرهاب. بغض النظر إن كان ما يشيرون إليه صحيحاً أم لا، العبرة ليس في ما يقولون بل كيف يقولونه. لو نقرأ ما يكتبهُ سعدي يوسف بدقة وبتآمل، لتوصلنا إلى حقيقة أن لديه نفطة مهمة وغاية من ورائها، ومهما كانت هذه النقطة جوهرية ومهمة فهو يضيعها باسلوبه الهجائي المباشر المليء بالغضب والشتائم المجانية. لهذا غالبية الناس لا ترى لب الموضوع وهو أكثر ما يلفت نظرها الزخرفات العدائية التي يضفيها على لهجتهِ وأسلوبه. واتساءل، هل كان هذا هو وضع يوسف لو أنه اختار اسلوباً آخر للتعبير عن مواقفه؟

قامت الدنيا ولم تقعد على سعدي يوسف عندما كتب مؤخراً "نص" ذم في شخص قائد العمليات العسكرية في معركة الموصل "عبد الوهاب الساعدي". فلم أر هيجاناً مسعوراً ضد شخص لا يملك سوى مجرد كلمات، كما حصل في صفحة الشاعر بعد هذا النص، لم يسلم حتى من لسان أصدقائه ومن شاركوه سنوات "النضال" في الستينات والسبعينات. رغم أن النص كان مضحكاً ويشبه كلاماً شفوياً يمكن أن يتداولهُ الرجال في ما بينهم، وهم جالسون في ديوان من دواوين الشيوخ العرب. إلا أن المعلقين ومن أثيرت حفيظتهم لم يقرأوا من النص سوى اسم "القائد الهمام"، حينَ عابَ عليه جهله العسكري واعتبره "قائد دمج" وهذه عبارة تطلق على المندمجين في الجيش النظامي ممن لم يدرسوا العلوم العسكرية، فيما تقول سيرتهُ على الويكيبيديا أن الساعدي خريج كلية من جامعة الموصل ودرس في الكلية العسكرية! أي لم يكن اختيار الساعدي اعتباطياً لهذه المهمة، فهو ملم بهذه المدينة من سنوات دراسته في الثمانينات، إذا صحت معلومات الويكيبيديا. النزعة العشائرية المترسخة في الشخصية العراقية لم يسلم منها حتى من كان يبحث عن مجتمع مثالي خال من العنصرية والطائفية، لكن الأوضاع تثبت أن كل يوم يمر علينا ما هو إلا تأكيد اضافي على أننا نتجه نحو نفق مظلم دون أن نلمح بصيص ضوء في نهايته.

في تعليق أحد "أصدقاء" الشاعر لتبرير "حالة الخرف التي يمر بها" كما ألمح: عندما سئل الشاعر عن سبب ارتدائه القرط فأجاب: لن يبقى من شعري شيء وأريد الناس أن تذكرني بصاحب القرط..

لا أعرف هل هذا أذكى ما قاله الشاعر أم أغبى ما استشهد به الصديق لإدانته؟ على عكس من تحليل الصديق، إذ رغم كل شيء وفي كل السجالات ما زالوا يذكرونهُ كشاعر ويعيشون معه كشتّام! 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها