الجمعة 2017/07/21

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

ترويج الذات العصرية.. بالعنصرية

الجمعة 2017/07/21
ترويج الذات العصرية.. بالعنصرية
تخوض السلطة السياسية لعبة النظام: أن يدور الخطاب اللاعنصري تحت مظلتها
increase حجم الخط decrease
قال المجرم، الذي قاد وصوّر الاعتداء على اللاجئ السوري، لأصحابه: "تفضلوا، شباب...شباب، من بحب يجي؟"، فبدا أنه يدعوهم الى مائدة طعام بارد في مساء حار. فكرهه للسوريين، وللاجئين، وللاجئين السوريين - والتقسيم والتركيب ههنا مقصودان - هي فعل من أفعال الترويح عن النفس بضرب وخبط الشاب الأعزل، وكَيل الشتائم له. بالتالي، من الضروري أن ننتبه الى أن ممارسة العنصرية في هذا المطاف ترادف التسلية. وهي، حين تصير على هذه الحال، حين تصير مساوية لحفلة شواء، أو لنزهة، أو لمشاهدة فيلم، فهذا يعني، بادئ ذي بدء، أنها أضحت مكرسة، وهذا ما يخولها أن تكون الأفق المقبل. إلا أن العنصرية، بما هي تسلية، ولكي تكون الحالة المقبلة للمجتمع الذي سيستهلكها، ولكي تظهر من جوفه على سطحه، وترسم سماءه، عليها أن تتصل بمساره، بنظامه، الذي قد تصح تسميته بالعصري. فالعنصرية الآن هي السبيل الى العصرية، التي تقوم بالتفتيش الدائم عن السلوى، لكنها، وأيضاً، تقوم بالتفتيش الدائم عن الشهرة. 


فحين يذهب هؤلاء النجوم، الذين يتخرجون من مصنع الفن الواسع في لبنان، الى نشر حقدهم على اللاجئين السوريين، فهم يفعلون ذلك بغاية مضاعفة رواجهم. اذ يعلمون، وهم ذروة الشخصية الميديوية، أن عليهم أن يمضوا الى "تفجير قنبلة"، تكون هي الواقعة، كما حين يصدرون ألبوماً، أو متعلقة بواقعة، كما حين يصدرون موقفاً حيال موضوع ما. وعلى هذه "القنبلة"، ومن شدة دويها، أن تحولهم الى محط أنظار. يعلم هؤلاء أنهم، ولكي يبلغوا المزيد من الرواج، يتوجب عليهم، ومن حين الى آخر، أن يرموا "القنبلة"، التي امتلأت منذ أيام بالكره، ويعلمون أيضاً أن النظام الذي ينتجهم قد ينتج غيرهم، وقد لا يكونون عندها على علاقة بمجال الغناء، لكن يكفي أن يتنافسوا معهم على حجم وشكل وأثر "القنبلة" المرمية، ليزاحموهم على صعيد الرواج.

فالنظام العصري، الذي يستقر قانونه على حق أيٍّ كان في الشهرة، يدفع ساكنيه الى تفجير "قنابلهم" أكثر فأكثر لكي يتحولوا الى نجومٍ. وفي هذه الجهة، لا بد من الإشارة الى أن تصوير ذلك المجرم لإعتدائه على اللاجئ السوري بكاميرا هاتفه، وتسجيل عنفه كفيديو، يندرج في هذا السياق، أي سياق "الحق في الشهرة"، في سياق رغبته في تحوله الى نجم، لا يغني كرهه، بل ينفذه، قبل ان تنتقل صورته الى "الكل"، فيصير محط أنظار. فهذا المجرم العصري، لا يجد في العنصرية سبيل سلواه فحسب، بل سبيل رواجه أيضاً.

حسناً، اذا أردنا الاختصار في التعبير عن النظام العصري، عطفاً على قيامه بتقديس السلوى والشهرة، تقديس الترويح والرواج، من الممكن القول أنه نظام ترويج الذات، التي تبغي أن تكون محط أنظار، ولذلك قد تعمد الى الانتحار. لكنها، قبل هذا، قد تعمد الى نحر غيرها، تماماً مثلما هو الوضع في حين ممارستها لعنصريتها. على أن هذا النظام هو نظام السلطة السياسية أيضاً، بحيث أنه يحملها على ضخ الكره ضد اللاجئين السوريين، ولاحقاً، على استنكار هذا الكره. فمن جهة، وفّرت السلطة، وعلى اساس ذلك النظام، سلواها وسلوى جمهورها بنشر الحقد، "لنتسلى، لتتسلوا بكرههم". وهذا يذكر بعبارة جبران باسيل "وينا كارولين؟".. أي، وبحسب منطقه الذَكَري، "أين اللهوة؟". ومن جهة اخرى، حققت رواجها بالتنديد بحقدها اياه.


فتخوض السلطة السياسية لعبة هذا النظام، موزعةً موقفين متناقضين على سبيل واحد: نشر الكره بهدف السلوى، والتنديد به بهدف الرواج. والإثنان لتروّج ذاتها، وأيضاً لتضمن شيئاً محدداً، وقد نجحت في هذا: أن يدور الخطاب اللاعنصري كله تحت مظلتها. فلا يهم هذه السلطة، وهي أقوى لاعبي ذلك النظام، أن تكون، مرةً عنصرية، ومرةً لاعنصرية، ما دامت تعرف، وهذا ما تتقدم عليه مقارنةً مع جمهورها، أنها في الحالتين تحقق ما تريد، أو أقل ما تريد، أي تحقق ترويجها لذاتها العصرية.

على هذا النحو، يتيح النظام العصري، ومن خلال ما بيّنته السلطة السياسية، ترويج الذات بالجمع بين نقيضين، بين العنصرية واللاعنصرية، بحيث أن خطاب الثانية، كخطاب الأولى، يصبح سبيلاً الى السلوى والشهرة أيضاً، وهذا ما يودي الى تعطيله، وجعله خالي الوفاض. ذلك، أن ذلك النظام، أو ذاته تحديداً، التي تبغي التسلية والرواج، تبغي الترويج، والتي يشكل كرهها للمختلف عنها مدماكها الأساس. قد لا تكون عنصرية هنا، على شاشة الاعلام، مثلاً، لكنها، وفي لحظة قصوى، في لحظة حدوثية على وجه الدقة، ستكون عنصرية هناك، على شاشة الاجتماع مثلاً، والعكس صحيح أيضاً.

بعد ذلك، ومن أجل مقاومة العنصرية فعلاً، لا بد من إعادة خلق خطاب مواجه لها، لا يكون، بدايةً، من انتاج معامل النظام العصري، بل يعارضها. أي لا تكون عنصريته مؤجلة الظهور لأنه يتستر عليها، ولا تكون بغيته الكامنة، والمحورية، هي الترويج لذاته. فمقاومة العنصرية هي مقاومة للعصرية، باعتبارها ترويجاً للذات عبر الإفراط في الكره، وعبر الإفراط في إستنكاره، تماماً على طريقة السلطة، أي عبر استدخال إنكاره: "أستنكر العنصرية لأنكر أنني لست عنصرياً فقط، لكي أصون ذاتي، لكي أحافظ على صورتي فقط".

فقد كان من الممكن لذلك المجرم أن ينقلب الى ملاك لو أنه دعا رفاقه الى مساعدة اللاجئ السوري بدلاً من الاعتداء عليه. لكن هذا لن يبدد أنه سيبقى، بفعل التصوير والنشر، مجرد مروج لذاته، من خلال الشر أو الخير، لا يهم، ما دام الاثنان، للأسف، لا يزيلان هذه الحقيقة: اللاجئون السوريون في الخارج، هناك من لا يتحملهم فينفيهم، وهناك، من لا يتحملهم سوى عبر جعلهم مماثلين له. وفي المقلبين، تدور آلة ترويج الذات، ولا أحد في الواقع يهتم لمصيرهم.

فأن نكون ونصير سوريين الآن يعني ألا نسلّم بأي خطاب تصوري تنتجه عنّا ولنا، تلك الآلة ونظامها العصري، لأنه في لحظة ما سيتكشف عن كونه مصنوعاً ضدنا، عن كونه عنصرياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها