الأحد 2017/07/02

آخر تحديث: 08:36 (بيروت)

رحيل سيمون فاي: رمز حيوات ثلاث

الأحد 2017/07/02
رحيل سيمون فاي: رمز حيوات ثلاث
امرأة تركت بصمةً في الحياة السياسية الفرنسية والأوروبية
increase حجم الخط decrease
توفيت سيمون فايتاركة بصمةً في الحياة السياسية الفرنسية والأوروبية، امرأة اختزلت بشخصها ثلاثة أحداث تاريخية: تحرر المرأة، الهولوكست والشراكة الأوروبية. 

يوم 13 نيسان 1944 لم تدرك سيمون فاي أنه بالقبض عليها من قبل الشرطة النازية وإيداعها معسكر الاعتقال الشهير "إشويتز" ستكون شاهدةً على إحدى أبرز محطات القرن العشرين. نجت ابنة السابعة عشر عاماً من الموت بعدما أخفت حقيقة عمرها، رفضت أن تمحو الوشم الذي يرمز لرقم اعتقالها، فظل 78651 موشوما على يدها اليسرى دون أن تحمل في داخلها أي نزعة انتقامية. تجربتها المريرة دفعتها لأن تكون أكثر تعلقاً بالحياة وكأنها بتحصيلها العلمي وزواجها وإنجابها تتحدى من كان يريد يوماً أن يضع حداً لحياتها. 


صحيحٌ أنها فقدت والديها وشقيقها خلال المحرقة، إلا أن الأكثر ايلاماً لها كان وفاة شقيقتها الصغرى ميلو، في حادث سير عام 1952، التي رافقتها في "إشويتز". طوال سبع سنوات كانت الشقيقتان المتنفس الوحيد لبعضهما البعض، فلم يشارك شخص آخر سيمون فاي تفاصيل تجربتها هذه على الرغم من علم دائرتها الضيقة بالأمر. مرت سنوات قبل أن تصبح فاي قادرة على تناول ما عايشته في "إشويتز"، لكن حادث وفاة ميلو ظل حاجزا تختنق عنده الكلمات.   



عام 1974 كانت سيمون فاي مع أول موعد مع التاريخ. عقب انتخاب فاليري جيسكار ديستان رئيساً في ذاك العام، دخلت فاي النادي الحكومي للمرة الأولى كوزيرة للصحة وكلفت بخوض معركة إقرار أحد أكثر القوانين الفرنسية إثارة للجدل والذي لا يزال صداه يتردد حتى اليوم: قانون تشريع الإجهاض للنساء.

حملت المشروع إلى مجلس النواب وألقت واحداً من أكثر الخطابات المحفورة في الذاكرة السياسية الفرنسية.

 

 

 

في حينها عاشت فاي فترة سياسية وشخصية عصيبة: قاطعها اصدقاؤها والمقربون منها لما اعتبروه انحطاطاً أخلاقياً. ولكن أكثر ما أصابها في الصميم كانت الشتائم والانتقادات التي تعرضت لها من قبل المعارضين للمشروع. فخلال القائها لكلمتها أمام مجلس النواب، كان الكثيرون يقاطعونها مطلقين عبارات تشبه القانون وصاحبته بالمحرقة اليهودية، حتى إنه كُتب على باب منزلها: فاي = هتلر.

هؤلاء كانوا يجهلون تجربة سيمون فاي في معسكر الاعتقال النازي، بعد سنوات قليلة كشفت للرأي العام النقاب عن ماضيها هذا لتدرك فرنسا مدى الجراح التي تركتها بداخلها هذه الكلمات وكيف أنها تعالت عن هذه الجراح في حينها، في وقت ظن فيه الرأي العام أن هذه الانتقادات ليست أكثر من معركة سياسية لإجهاض المشروع. 

 

تجربتها الشخصية جعلتها على موعد آخر مع التاريخ، هذه المرة في العام 1979 حين جرت للمرة الأولى انتخابات البرلمان الأوروبي بالاقتراع العام. يومها وبتوافق فرنسي - ألماني أصبحت سيمون فاي أول رئيسة له لما تحمل من رمزية في شخصها.

فانتخاب سيمون فاي لهذا المنصب أي على رأس المؤسسة التي تمثل مصالح المواطنين الأوروبيين، بات أحد عناوين المصالحة الفرنسية – الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية ورمزاً من رموز الشراكة الأوروبية، شراكة أريد منها درء شبح الحرب إلى الأبد، ولكن أيضا عنوانا للتسامح والسلام بين الشعوب ممن عاش تجربة الحرب وخطر الموت في أبشع صورها.  

 

منذ إعلان وفاتها والعديد من الشخصيات والجمعيات تطالب بإيداع جسدها في مقبرة العظماء الـPanthéon ، قرار يعود للرئيس الفرنسي بالتوافق مع العائلة. بالمعنى السياسي قد لا يكون خيارا مستبعدا حيث نعى ايمانويل ماكرون سيمون فاي واصفا إياها بالمرأة التي "جمعت اليمين واليسار" أي الغمز من قناة الوسطية وهو الفريق نفسه الذي ينتمي إليه كليهما، إضافةً إلى كون الـ Panthéon لا يضم إلا رفات أربع نساء من أصل ما يقارب سبعين شخصية، موافقة ماكرون ستكون تجسيدا لوعوده بالعمل على قدر أكبر من المساواة بين الجنسين.  

 

رحيل سيمون فاي سيترك دون شك فراغاً في الحيز العام الفرنسي والأوروبي، لم تعرف الحياة السياسية الفرنسية أحداً ارتبطت حياته الشخصية بالقضايا السياسية كمثل سيمون فاي. فلو أخذنا مسيرتها السياسية بصورة مجردة واسقطناها على أي شخصية سياسية أخرى لما تركت مثل هذا الصدى، ربما تأكيداً لما يُقال أن مرحلتي الطفولة والمراهقة ترسمان إلى الأبد مصير الإنسان.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها