الأحد 2017/07/16

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

مارلين مونرو.. ذبذبات جنسية مشعة

الأحد 2017/07/16
increase حجم الخط decrease
 
بينما تتدرب على الرقص مع الممثل والكاتب الروسي ميشال تشيخوف (سليل أنطوان تشيخوف)، فاجأها ميشال أنها تشع ذبذبات جنسية، يستجيب لها العالم، حتى إذا انبعثت عبر الشاشات، ورؤساء استوديوهات هوليوود التي عملت فيها، يهتمون بأمر هذه الذبذبات، يقول لها ميشال: أنت أكثر قيمة كمثير جنسي بالنسبة إليهم، كل ما يريدونه منك هو جنيّ الأموال باستخدامك في تصوير ذبذباتك الإيروتيكية.


تنهار مارلين مونرو، وتبكي لدى سماعها هذه الكلمات من ميشال، أريد أن أكون نفسي، لا مجرد صانعة ذبذبات خرقاء تصنع الثروات لتجار الجنس في الاستوديو.
تنفتح السيرة الذاتية الوحيدة التي شاركت مارلين مونرو أو - نورما جين في كتابتها، على مشاهد شديدة الأهمية، وتضم نقدا شديد اللهجة لهوليوود، بالإضافة الى توثيق مهم عن حياة إلهة الجنس، ورمز الفتنة التي انتهت حياتها نهاية، لم تزل حتى اليوم لغزا، وضعت عنه الأقلام مئات الكتب.

ظهرت سيرة حياة مارلين مونرو المعنونة بـ" قصتي" للمرة الأولى عام 1974، بواسطة المصور ميلتون غرين، كانت كتابة هذه السيرة قد اتُفق عليها بين مارلين، وكاتب سيناريست أميركي شهير يدعى بن هكت، وكتبا سويا فصولا من السيرة، لكنها لم تكتمل، لخلافات بينهما أثر دفع وكيل بن هكت الأدبي بالمخطوط لإحدى الصحف لنشرها مسلسلة، فشل المشروع، وطالبت مارلين هكت بالمخطوط، واختفى الكتاب، طيلة حياة مارلين، حتى انتحارها المباغت عام 1962، ثم ظهر الكتاب عام 1974، على يد ميلتون غرين الذي قال إن المخطوط كان هدية إليه من مارلين.

بهذه المصادفة الكافكوية، سمعنا صوت مارلين، أو نورما جين، الشخصية السرية التي كافحت، حتى صارت مارلين مونرو، حينما يبدأ الكتاب(*)، بحكاية ظهور المخطوط للنور للمرة الأولى، تساءلت: وماذا لو لم يقرر المصور ميلتون غرين أن ينشر هذا المخطوط؟ ربما لم نكن سمعنا صوتها للأبد، ربما اكتفت البشرية فقط بمئات الكتب المكتوبة عنها، ولم نكن سنحظى أبدا بسيرة تخطها صاحبتها نفسها عن حياتها.

وكما كانت حياة مارلين مونرو قصيرة(36 عاما) جاءت سيرتها قصيرة أيضا، لكنها عفوية، وتحمل قطعاً من روحها، تبدأ السيرة بفصل عنونته "استعدت البيانو الأبيض"، تحكي فيه زواج والديها المنهار، الفقر الشديد الذي حاصر أمها بعدما هجرها أبوها، وتنقل مارلين بين بيوت الغرباء، ومنهم بيت ساعي البريد، الذين كانوا يتولون رعايتها نظير 5 دولارت، لعجز أمها عن رعايتها، وكذلك لعجزها عن الاحتفاظ بوظيفة.

تبدأ الصفحات الأولى من الكتاب مناسبة فعلا كحكاية الظروف التي نشأت فيها مارلين أو الطفلة نورما التي تبحث عن صورة أبيها الغائب، وتختلق أحلام يقظة حوله، نشأة أشبه بقصة "سنووايت"، الطفلة الفقيرة، المرغمة على أداء الأعمال المنزلية، خاصة بعد مرض والدتها النفسي، وإيداعها مصحة. تتحول مارلين إلى فتاة يتيمة، تتنقل بين الملاجئ، وتتلقى مع ذلك وعوداً أن تصبح فتاة جميلة حين تكبر.

"عندما أُخذت أمي للمستشفى صارت العمة غراس هي وصيتي القانونية"، تتحول حياة نورما جين بعد انفصالها عن أمها في طفولتها المبكرة، تنفرد الطفلة بنفسها، تتأمل ذاتها، ترتدي ملابس تدل على فقرها، فستان أزرق باهت، لا يتغير، تبدأ تفكر في جسدها، ترغب في أن تتعرى، فالعري أفضل من ملابسها التي تُخجلها، تتنقل في دور أيتام، وتعيش فيها بشكل متقطع، أو مع عائلات ترعاها، تعلمت خلال هذه الفترة ألا تشكو، خاصة أن أبناء العائلات يرتدون الملابس الملونة، بينما هي تكتفي بالأزرق الباهت الحزين، شارة الفقر. نكتشف في هذه الفصول المبكرة، أن طرق الفنانات ليست بالضرورة ممهدة في الغرب، كما يشاع. تحكي مارلين عن بانيو الاستحمام الذي تضطر لاستخدامه بعد أفراد العائلات، فالماء كان مكلفا، وتحظر العائلات عليها تغييره، في ما بعد حينما ستصبح مارلين، الثرية القادرة على إعالة نفسها، ستمنح جسدها ساعات من الاستحمام، كأنها تنظف نورما جين الصغيرة التي كانت تستحم في ماء ملوث باستحمام الآخرين.

يتسارع إيقاع الحكيّ في الكتاب، أفكر أحيانا أن مارلين مونرو إذا لم تكن ممثلة، أو نجمة، فربما تصلح أن تكون كاتبة، توقفت مرات عن القراءة وأنا أسأل: هل من الممكن لمن عاش حياة رغدة، بعد طريق كفاح طويل، هل يستطيع أن يسترجع بسهولة صعوبات الطريق الأولى كما فعلت "مارلين" في سيرتها؟

تذكر مارلين واقعة اغتصابها حينما كانت فى التاسعة من عمرها من شخص حاد النظرة، يدعى "كيمل"، الجميع كانوا يحترمونه، وينادونه مستر "كمل"، حينما كانت تمر بحجرته، دعاها بهدوء: نورما، ثم استدرجها وأغلق الباب خلفها، وفعل فعلته، وأطلقها، لم تجرؤ نورما على الصراخ، تخوفت من العودة إلى الملجأ موسومة بالعار، بكت في سريرها، وتمنت الموت، وبعد أسبوع ذهبت العائلة ومستر "كمل" إلى جلسة وعظ ديني، جثت على ركبتيها وكادت تعترف عن "مستر كمل" لكن بعض المذنبين تزاحموا حولها، نظرت إلى الخلف ووجدته يقف بين اللامذنبين يدعو بصوت عال، وبضراعة للرب كي يغفر خطايا الآخرين.

بهذه اللمحات وغيرها، يمضي قارئ الكتاب، متتبعا سيرة فريدة، وحكايات آسرة، منها حكاية القميص الضيق الذي استعارته لتذهب إلى المدرسة. كان قميصها الوحيد قد بات رثاً، فاضطرت لاستعارة آخر، لكنه كان حابكا على جسدها النامي، حدث ذلك حينما كانت في الثانية عشرة من عمرها، وكانت تبدو في السابعة عشرة، يومها حدق فيها كل رفاق المدرسة، عادت إلى المنزل بصحبة أربعة أولاد، تحولت إلى مغناطيس جنسي، ذهبت إلى المحيط للاستحمام مرتدية لباس البحر، واخترقت جموع المزدحمين لتمشي أمامهم باتجاه حافة الماء، كان الشباب يصفرون لها، بعضهم هب واقفا من الرمل، وهرول تجاهها، غمرها إحساس أنها لا تنتمي لأحد، لا تنتمي إلا إلى السماء، وإلى المحيط، وإلى العالم.

تكتشف مارلين نفسها عبر جسدها، تتحدث في الفصول الأولى من الكتاب عن تضاريس جسدها، وتقارن نفسها بـ" سيرينا" المرأة الفاتنة في الأساطير التي كانت تنادي على البحارة لتغويهن، لكن المفارقة التي يكتشفها قارئ الكتاب، اعترافها أنها لم تشعر أبدا بأية شهوة، مع تأكدها بتأثيرها القوي في الناس، تحكي أيضا في هذه الفصول عن زواجها الأول من جيم دوغرتي الذي حررها من اليتم، ومن فستاتها الأزرق، لكنها الزيجة التي لم تستمر بسبب خوفها من الإنجاب.

الثيمة الأخرى التي تركز عليها سيرة مارلين مونرو، هي الجوع. تتحدث مارلين عنه كأنه عدوها اللدود، ظلت تحاربه، وترغب في اتقائه، لذلك كانت تعمل، نشعر هنا بصدق كلماتها، نشعر بحميمية عجيبة معها، كأننا نعرفها عن قرب، كأنها ليست من عالم آخر. تتحدث مارلين مونرو عنه فتقول: لم يكن الطعام مهما، حينما تكون شابا صحيح الجسد، وتشعر بالجوع قليلا، فإن هذا ليس مهما، المهم هو كونك وحيدا.

تستفيد مارلين من الجوع في منح خصرها شكلا مثيرا، فكلما قل أكلها، كلما احتفظت بطنها بشكلها الضامر، تحكي عن المعدة الفارغة، ومميزاتها، تحكي: المعدة الفارغة تفيد أيضا في الغناء بتناغم، كنت أذهب إلى النوم جائعة، واستيقظ جائعة.

تنبذ مارلين الأناقة والملابس، تفضل عليها دروس التمثيل، تضع حلمها أمامها، حلمها هو التمثيل، نكتشف من سيرتها الكفاح المضني الذي بذلته كي تحقق حلمها، هي نفسها تقول كلمات يصلح أن يستخدمها مدرسو التنمية البشرية، منها: حين يكون لديك حلم واحد فحسب، فإنه على الأرجح سيصبح حقيقة، ذلك لأنك تواصل العمل لتحقيقه من دون أن تصاب بالتشوش.

تعمل كموديل، وتجني مالا كافيا لإيجار المسكن، ومن أجل وجبة يومية، تحكي عن ذئاب هوليوود الذي يرغبون في الاحتيال عليها، توجه نقدا قاسيا للمدينة الأميركية كأنها تزيل قشرتها الذهبية، ففي الفصل التاسع من الكتاب تصف المدينة بأنها: هوليوود الفشل، تقريبا كل شخص قابلته كان يعاني من سوء المأكل، أو لديه نزوات للانتحار، ماء ماء في كل الأنحاء، لكن لا قطرة للارتواء.

نتخيل هوليوود بأعين مارلين على أنها صحراء، وليست تلك المدينة الزاهية العملاقة، التي تزخر بالأساطير، والنجوم، تصفها مارلين فتقول: كنا نشبه قبيلة من المتسولات فاتنات الجمال، وكان هناك الكثيرات منا، الرابحات في مسابقات الجمال، الجامعيات المبهرات، وحولنا كانت الذئاب ولواؤهم ملاية سرير.

تحكي عن المزيفين والفاشلين، الذين حاولوا استمالتها من أجل مضاجعة سريعة في مكاتب منزوية بالاستوديوهات، تحكي عن المحتالين الذين نصبوا لها فخاخا بزعم تصويرها، ثم حاولوا استدراجها لتزويجها إلى أثرياء أوروبيين يحتضرون، أو محاولات اصطيادها بأدوار وهمية، تقول مارلين: هوليوود.. عفة الفتاة أقل أهمية مما يؤديه شعرها من مهام، هوليوود حيث سيدفعون لك آلاف الدولارات مقابل قبلة، وخمسين سنتا مقابل روحك.

لكن مارلين ترفض آلاف الدولارات، وتقبل الخمسين سنتا، تكافح وتتلقى دروس تمثيل، وتنتظر دورا في غرف الانتظار في الاستوديوهات، حتى تنال فرصة في 20th century fox، يختار لها أحدهم اسم مارلين وتختار مربيتها اسم مونرو فتصبح مارلين مونرو، تظهر في فيلم  The Asphalt Jungle، فتطلق الجماهير "الصفير" من أجلها مثلما فعل المصطافون على المحيط،  تتردد على حفلات رؤساء الأستوديوهات، وتفاجأ بطردها فجأة من 20th century fox، لأن وجهها ليس "فوتوجينك". تحكي مارلين فقدانها وظيفتها ووطأة رعب إحساسها، فيشعر قارئ الكتاب بارتباطه أكثر بها، يشعر أن الحكاية تؤلمه كما آلمتها، خاصة حينما تقول: حينما تُمنى بالفشل في هوليوود، الأمر أشبه بأن تتضور جوعا حتى الموت خارج صالة الولائم. أنه الجوع مرة أخرى..عدو مارلين اللدود.

تتطرق مارلين إلى قصصها العاطفية مرتين، المرة الأولى حينما تحكي عن شخص تتعمد تجاهل اسمه كي لا تسيء له، ابتاعت من أجله هدية ثمينة، وارتبطا بقصة حب ملتهبة، لكنها لم تدم، قبل أن تنهي أقساط هديتها له، كان قد تزوج أخرى، أما القصة الأخرى فهي قصة تعلقها المباغت ببطل البيسبيول ديماجيو، وبينهما قصة ثالثة، لم تكن فيها الحبيبة، بل المحبوبة، كان بطل هذه القصة هو جوني هايد الذي أحبها بشدة، وسعى لجلب العقود السينمائية لها، وحاول إقناعها بالزواج منه لترث منه مليون دولار، لكنها رفضت عرضه، وهو ما لم ينه صداقتهما حتى رحيله.

تنتهي سيرة مارلين الناقصة عند حكاية رحلتها إلى كوريا، ومشاركتها في عروض غنائية للترويح عن الجنود الأميركيين في كوريا، تنتهي السيرة بطرفة حينما يطلب منها أحد الضباط، أن تغير مقطعا في أغنيتها، لأنها تتضمن إيحاء جنسيا، في تلك البقعة من الأرض يفرض العسكريون أخلاقهم أيضا.  


(*) صدر الكتاب عن منشورات المدى، ترجمة وتقديم باسم محمود.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها