الإثنين 2017/06/05

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

إرهابنا وإرهابهم

الإثنين 2017/06/05
إرهابنا وإرهابهم
مانشستر، ببساطة، هي كرادة بغداد.. لكن كل يوم (غيتي)
increase حجم الخط decrease
عندما وقع الهجوم الإرهابي في النروج، صيف 2011، ونفذه النروجي المتطرف أندرس بريفيك، على مخيم شباب حزب العمال النروجي في جزيرة قرب أوسلو، لم يتسرع رئيس الوزراء آنذاك، ينس ستولتنبرغ، بالحكم على الفاعل وتحديد هويته قبل التأكد من التحقيقات. كان ردهُ على الهجوم هو العمل على المزيد من الحريات والديموقراطية والانفتاح على الثقافات الأخرى. فيما ذهب أوباما مباشرة، ومن دون الاطلاع على حيثيات الواقعة، إلى توجيه اتهامات صريحة إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة. ويبدو أن خطاب رئيس الوزراء وقتها، أصبح البوصلة لكثير من المسؤولين في أوروبا، بعدم التسرع في الحكم قبل الانتهاء من التحقيقات. ولهذا نجد في الآونة الأخيرة أن هوية الإرهابيين تظهر للإعلام بعد فترة من وقوع الحادث. وهذا ما لا ينطبق غالباً على أميركا أو كندا على سبيل المثال. فالتهمة هناك جاهزة على أن الفاعل، هو مسلم شرقي اسمر البشرة، حتى لو كان هذا الشخص شاهداً على الهجوم الذي نفذه أحد اليمينيين المتطرفين، كما حدث من التباس وتسرع في حادث هجوم مسجد في كيبيك مطلع هذا العام. 

منذ "اندلاع" الهجمات الإرهابية المتعاقبة في انكلترا خاصة، وأوروبا عامة، تعالت أصوات غريبة، عربية من خلفية مسلمة غالباً، مُطالبة بطرد كل "المسلمين المتطرفين"، وكل من يحمل "الفكر السلفي التكفيري" سواء بأفعاله أو مظهرهِ. بعد كل حادث إرهابي تلجأ هذه الفئة، إلى الخطاب "الهتلري" نفسه، من أجل "تنقية" الجو الأوروبي من دمهم المسموم بالفكر "التكفيري". مَن يقرأ هذه النداءات، وهي كثيرة، على سذاجتها وسطحيتها وعدم موضوعيتها أو مواءمتها لمبدأ الحريات في أوروبا، سيشعر بالحزن لما وصل إليه البعض من الرعب والنفور من الآخر، بسبب اختلاف الأيديولوجيات وليس الجرائم الإرهابية. في الوقت نفسه يتناسى هؤلاء، وأخصُّ العراقيين المغتربين، أن من يضرب أوروبا بالإرهاب هم ممن ولدوا أو نشأوا فيها على الأغلب. فيما يضرب الإرهاب العراق في كل مرة، من حيث لا يحدد هوية الانتحاري أو المهاجم أو مصدر التمويل والدعم. وأتساءل، ماذا سيحدث لو وجه هؤلاء العراقيون جهودهم الحثيثة، والتي تطالب أوروبا بطرد المسلمين، إلى مطالبة الحكومة العراقية بتطوير آليات التحقيقات ومكافحة الإرهاب، كي تصل يوماً إلى مستوى أوروبا في تحديد هوية المهاجمين؟

سيقول البعض أن هؤلاء يعيشون في انكلترا وأوروبا عموماً، ويهمهم أمنهم هناك، وأقول أن هؤلاء تحديداً من الناشطين في الشأن العراقي، من دون التمرغ في تراب معاناة شعبهِ، ومن دون التنازل عن مكتسبات أوروبا منذ لجوئهم إليها. أتحدثُ عن فئة تعرف نفسها جيداً، وأنها لم تقدم لشعوبها في الداخل أي نوع من المساعدة والدعم، أو نقل ثقافة أوروبا المغرمين بها، ويطالبون الحكومات الغربية بطرد اللاجئين الجدد بلهجة عنصرية مقيتة! مع أنه، كما سبق الذكر، فمعظم هذه الهجمات الإرهابية يقوم بها مواطنون من جيل ثان أو ثالث من أصول  مسلمة، ولا علاقة للاجئين الجدد بكل ما يحدث، باستثناء حوادث متفرقة، لم تكن بحجم هجمات نفذتها الذئاب المنفردة والتي تبناها تنظيم الدولة/ داعش.

خطاب هؤلاء لم يقتصر على حالات يكتبونها في صفحاتهم، بل تحول إلى خطاب تعاوني مع نشطاء من اليمين الأوروبي المناهض للوافدين. يأتي هذا الخطاب على شكل مقالات مؤيدة أو شهادات تدعم خطاب اليمين الأوروبي، وترسخ الإسلاموفوبيا بكل أشكالها في المجتمعات الأوربية. نتيجة لهذا بدأت تظهر تغييرات في سياسة بعض البلدان الداعية إلى حرية الفرد. دولة متقدمة في كل شيء مثل النروج مثلاً، وللمرة الأولى، تسجل منظمات حماية الطفولة ومنظمة مساعدة اللاجئين أرقاماً مخيفة فيها حول احتجاز أطفال الوافدين في معسكرات اللاجئين. واعتُبرت هذه سابقة في سياسة النروج الداعية دائماً إلى المعاملة الإنسانية للاجئين، بالأخص الأطفال والنساء.

في المقابل تعلو أصوات تدّعي الوسطية في الإسلام، لشجب الهجوم على الإسلام والمسلمين والدعوة إلى عدم تحميلهم وزر جرائم الإرهابيين باعتبارهم لا يمثلون الإسلام! متغافلين تماماً أن هؤلاء تحديداً، يدّعون أنهم يمثلون الإسلام الحقيقي مدعومين بشواهد تاريخية، لم يتبرأ منها معظم "الوسطيين"، واستندوا إلى آيات وأحاديث لم ينكرها ولم يستنكرها أغلبهم. من هؤلاء مؤسسة الأزهر التي لا تنسى شجبها المستمر للعمليات الإرهابية، من دون اتخاذ خطوة عملية واحدة على مستوى سياسة تدريسها للدين تدعم موقفها.

وهناك الليبرالية الإسلامية الداعية إلى الإسلام الإصلاحي التقدمي. وكل ما سبق من مصطلحات هو ملخص لإعادة "تشكيل" الدين الإسلامي لما يناسب اللحظة والعصر. يعلمُ هؤلاء جيداً، أن أي إعادة تشكيل لأسس وفقه ومنهج الإسلام لن ينجح من دون مساهمة الفئات الأخرى سابقة الذكر. ورغم فشل الكثير منهم في استمالة هذه الأنظمة والمؤسسات الراديكالية المؤثرة في العوام، إلا أنها تواصل دعوتها إلى "تحديث" الدين الإسلامي، حتى بلغوا مرحلة أصبحوا فيها منفصلين تماماً عن الواقع الذي يواجهه العالم والمسلمين.

منذ عقود وخطاب الكراهية والإقصاء يعلو على بقية الخطابات. منذ عقود، لم تتغير نغمة البكائيات والمظلومية للبعض، بزعم أن ما يحدث هو مؤامرة على الإسلام والمسلمين، ولم يواجهوا أخطاءهم يوماً. منذ عقود، والليبراليون يحاولون التقرب ولو قليلاً من انجاح فكرة الإصلاح، والتماهي مع التطور العالمي، بلا جدوى. المساعي كلها لم تنفع لوقف انتشار خلايا الإرهاب السرطانية في العالم العربي والغربي. ولا أعرف ما الذي تبقى لدينا من وسائل، كي نواجه الإرهاب. إن لم تنفع كل سبل الإصلاح والمواجهة المسلحة والأدوات المخابراتية، ما الذي ينفع حقاً؟ هل يكون طرد المسلمين من أوروبا هو الحل؟ وهل نجح طرد أي فئة من مكان عبر التاريخ بحل أزمة؟ أم ساهم في تضخيمها؟ وفي المقابل، ما هو البديل في حال فشل كل هذه الوسائل؟

تصرح تيريزا ماي المتذمرة والغاضبة: لقد طفح الكيل. ونحنُ معها نصرخ: لقد طفح الكيل.. لكن شتان ما بين نبرتها المطالبة بإقصاء الآخر على عَماء، من دون مواجهة أخطاء بريطانيا نفسها في نمو هذه الخلايا السرطانية، وبين نبرتنا المطالبة بوقف نزيف الدم بأي ثمن، لأن مانشستر، ببساطة، هي كرادة بغداد.. لكن كل يوم..
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها