الأربعاء 2017/06/28

آخر تحديث: 11:55 (بيروت)

تامر كروان لـ"المدن": الزينة اللحنية آفة الموسيقى الشرقية

الأربعاء 2017/06/28
تامر كروان لـ"المدن": الزينة اللحنية آفة الموسيقى الشرقية
عندما أستخدم الموروث، فإنني أجرده من ذلك الزخم العاطفي
increase حجم الخط decrease
في الصف الثانوي الثالث، شاهدتُ الإعلان الترويجي لفيلم "باب الشمس" من إخراج يسري نصر الله (2003)، ولم يلفت انتباهي إليه غير الأغنية التي تصدرته، والتي انشغلت بها إلى الحد الذي قررت معه الهروب من الصف والذهاب إلى السينما لمشاهدة الفيلم كاملًا، وكانت الأغنية "يبكي ويضحك"، من ألحان الموسيقار تامر كروان، مؤلف موسيقى الفيلم، ومن غناء المنشد زين محمود، وكلمات الأخطل الصغير.

وحيث إن الفيلم كان مقسماً إلى جزأين يعرضان معًا، كانت السينمات تخصص الحفلات الصباحية لجزئه الأول والمسائية للثاني، وفي العرض الذي حضرت خلت القاعة إلا من عدد ضئيل جدًا من المشاهدين من فئات عمرية تفوقني بعشر سنوات على الأقل، ورغم استمتاعي بالمشاهدة، إلا أنني شعرت بالحسرة لخلو الجزء الأول من الأغنية، فعقدت النية -في اليوم التالي- على التخلف عن إحدى حصص الدروس الخصوصية في المساء والذهاب لمشاهدة الجزء الآخر من الفيلم، لكن القاعة هذه المرة كانت مكتظة بالمراهقين من فئتي العمرية، وأتذكر أني لم أجد في شباك التذاكر غير تذكرتين، وكان مقعدي في الصف المواجه للشاشة، وفيما انتظرتُ ظهور الأغنية كان المراهقون من حولي ينتظرون المشهد الذي تخلع فيه الممثلة السورية حلا عمران ملابسها، ويؤكد كل منهم للآخر أنه ليس المشهد الساخن الوحيد في الفيلم

ولعل هذه الذكرى على طرافتها، خير ما أستدل به على ما يمكن لموسيقى تامر كروان، أن تضيفه إلى العمل الذي تشارك فيه، فالكثير من مقطوعاته التي ألفها للسينما والتلفزيون هي بمثابة أعمال فنية مستقلة، تضاهي في فنياتها فنيات العمل الذي ألفت له، بل تتفوق عليه أحيانا.

ولا تحمل موسيقى كروان، الذي ارتبط اسمه بأعمال عدد من المخرجين المصريين البارزين من أمثال يسري نصرالله ومحمد خان وكاملة أبوذكرى، المتعة السمعية وحدها إلى المتلقي، وإنما تكشف رؤية فلسفية ومعرفية عميقة وفهم لأبعاد العمل الفني الذي يؤلف له موسيقاه، فلحن مثل تتر بداية مسلسل "ذات" الذي تتعرض قصته للحياة المصرية منذ الخمسينات وحتى اللحظة الراهنة، يحوي في داخله شعور الحنين إلى الماضي والتطلع إلى المستقبل في آن، وكأنه يترجم الزمن في حركته اللانهائية.

بدأ تامر كروان (48 عامًا) حياته المهنية كمهندس، لكنه ترك وظيفته بعد فترة قصيرة للعمل كمونتير ومخرج للأفلام الوثائقية في إذاعة "بي بي سيط، وفي لندن فتحت أمامه أبواب كثيرة على الفن والثقافة، ودرس الموسيقى في الأكاديمية الملكية للموسيقى، ثم عاد إلى القاهرة ليبدأ مشواره كمؤلف موسيقي مع فيلم "المدينة" (1999) للمخرج يسري نصرالله، وقد قام حتى الآن بتأليف الموسيقى لـ64 عملاً تنوعت بين السينما والتلفزيون، كأن آخرها موسيقي مسلسل "واحة الغروب" إخراج كاملة أبوذكري، الذي عرض في رمضان الماضي، بالإضافة إلى تترات عدد من البرامج التلفزيونية والموسيقى الافتتاحية لعدد من المهرجانات السينمائية. وعن رؤيته الفنية والأعمال التي ألفها، كان لـ"المدن" معه هذا الحوار:


- كيف تصنع موسيقاك.. هل تقرأ العمل أم تكتفي بمشاهدته بعد تصويره؟ وهل تقوم عادة برحلات معايشة لأماكن تصوير الأحداث مثلما فعلت في "واحة الغروب"؟

* أقرأ سيناريو العمل أولًا، وإذا كان مأخوذًا عن رواية فإنني أقرأها قبل السيناريو، ثم أنتظر حتى انتهاء التصوير، لا بد لي من رؤية المشاهد كلها قبل الشروع في تأليف الموسيقى، فعملي يعتمد على المونتاج وحركة الكاميرا وغيرها من عناصر تتضح في الصورة النهائية للعمل، هذا بالنسبة للأفلام السينمائية.
أما بالنسبة للمسلسلات، فالأمر مختلف، حيث يبدأ عملي أثناء التصوير، وذلك لاختلاف طبيعة دورة إنتاج الدراما عن السينما في مصر، فالمسلسل يُعرض قبل أن ينتهي تصوير الحلقات كلها.
أحيانا أذهب إلى موقع التصوير لآخذ من طاقة المخرج والممثلين، فذلك يساعدني جدًا، وفي "واحة الغروب"، قرأت رواية بهاء طاهر ثم السيناريو، واشترطت على المنتج أن أزور واحة سيوة قبل البدء في العمل، وذهبت إليها مرتين، مرة لمعاينة المكان وأخرى أثناء التصوير، فسيوة لها طبيعة جغرافية واجتماعية خاصة ومختلفة عن غيرها من المدن المصرية.
في سيوة –مثلا- لم أسمع أصواتاً للعصافير، وكأن الواحة يغلفها الصمت التام، وقد ألهمتني تلك الطبيعة المختلفة كثيرًا للوصول إلى منطق تأليف الموسيقى الخاصة بالمسلسل.


- هل تساعدك شخصية المخرج في تأليف موسيقى عمله؟

* كل مخرج له طاقة إخراجية مختلفة، أتأثر بها بالتأكيد أثناء العمل على منتجه الإبداعي. ودائمًا ما يكون هناك تفاهم متبادل بيني وبين المخرج الذي أعمل معه، فلقد سبق لي العمل –قبل التأليف الموسيقي- كمخرج أفلام وثائقية ومونتير، وبالتالي لا أجد صعوبة في فهم لغة المخرج، وهذا يسهل عليّ كثيرًا.

- هناك تفاوت في المستوى الفني للأعمال التي شاركت في تأليف موسيقاها؛ ألفت موسيقى "بوشكاش" و"البر الثاني" و"حبك نار"، وهي أعمال ليست بقيمة "باب الشمس" و"بنات وسط البلد" و"ذات" و"سجن النساء" مثلا.

* أتعامل مع التأليف الموسيقي كمحترف، لدي قناعاتي الفنية بالطبع، لكن التأليف وظيفتي الأساسية، ويتعارض العمل وفق مزاجية محددة مع الاحتراف، وهذا لا يعني أنني أقبل كل الأعمال المعروضة عليّ، بالعكس أضع حدًا أدنى من المقومات الفنية التي يجب أن تتوافر في العمل الذي أختاره.


- قلت في تصريحات سابقة أنك تفضل التتر الموسيقى دون الغنائي، فما السبب؟

* لست ملحن أغاني، وإنما مؤلف موسيقي، ولا ألجأ لإضافة أغنية إلى موسيقى فيلم، إلا في حدود حاجة الدراما لذلك. هناك أعمال درامية مثلاً لا يصلح لها التتر المغنى، مثل مسلسلي "ذات" و"سجن النساء" النساء مثلاً.
الموسيقى في حد ذاتها مفتوحة على التأويل، أما الأغنية فتفرض كلماتها، مهما اختلف مستواها الفني، معنى مباشر وواضح، وفي حالة السينما أو الدراما غالبًا ما تخبر الكلمات بما يريد المسلسل إيصاله للمشاهد. فضلًا عن أنني أعتبر "المغني" آلة موسيقية تضاف إلى الآلات الأخرى التي أستعملها داخل العمل، فلا أؤلف الموسيقى حول صوته، وإنما أطوع صوته بما يخدم الحالة الموسيقية للحن.


- لجأت في بعض أغانيك للأفلام إلى الموروث الشعري والغنائي العربي، إما في اختيارك منشدين لغنائها أو في اختيارك لكلماتها من الشعر القديم أو الموروث. فهل إحياء التراث أحد دوافعك الفنية؟ أم أن الصدفة واختيارات المخرجين لعبت دورًا في ذلك؟

* هناك من يحاول إحياء الموروث عبر إعادة طرحه كما هو، مرة أخرى، وهناك من يعيد إنتاجه اتكاءً على زخمه العاطفي، لكن في صورة معاصرة، ليجذب المستمع إليه، وفي هذه الحالة غالبًا ما يكون المنتج النهائي سطحياً.
عندما أستخدم الموروث، فإنني أجرده من ذلك الزخم العاطفي، قبل أن أعيد توظيفه بصورة أكثر معاصرة، إسمع الآلات الشرقية في موسيقاي، ستجدها مجردة من الزينة اللحنية، هذه "الحليّ" آفة الموسيقى الشرقية من وجهة نظري.
ربما لا تكون اختياراتي مبنية على هدف إحياء التراث في المقام الأول، وإنما يحركني في التعامل معه إحساسي به ومخزوني المعرفي ووعيي بالموسيقى التي أؤلفها.
في فيلم "باب الشمس"، مثلا، اختار يسري نصرالله أغنية لمغني الروك الأميركي برنس روجرز نيسلون، لتكون هي الخلفية الموسيقية للمشهد، فسألته عن سبب اختيارها، فأخبرني عن إعجابه بالطاقة التي تنضوي عليها، فقلت له لماذا لا نعيد خلق تلك الطاقة بشكل آخر يكون أكثر صلة بثقافتنا، فغاب ثم عاد بقصيدة الأخطل الصغير التي غنتها فيروز، بعدما اختار منها بعض الأبيات، فأعجبتني، وبدأت العمل عليها، بعدما خطرت لي فكرة الاعتماد في تلحينها على موسيقى الروك، إنما لكن باستخدام منشد ليؤديها، لخلق مفارقة ربما تساعد في إبراز الحالة المرجوة بشكل أكبر، وتمنيت لو كان النقشبندي حيًا ليغنيها، لكنني وجدت غايتي في المنشد المصري زين محمود، وقد استغرقت الأغنية نحو سبع ساعات لتسجيلها حتى استطاع زين استيعاب طريقة الأداء.


- بخصوص التراث... عاب عليك البعض إغفال ذكر اسمي المنشدين أحمد العجوز وبرين من تتر "واحة الغروب"، في حين أن كلمات التتر مأخوذة من موال "فرش وغطا" الخاص بهما.

* كلمات أغنية التتر هي في الأساس من الأقوال المأثورة في صعيد مصر، وقد اختارها برين والعجوز وصنعا منها "ارتجالات" داخل الموال، وقد قمت بالأمر نفسه، اخترت من الكلمات المأثورة، وأعدت تلحينها من جديد، ولم أعتمد من قريب أو بعيد على لحن موال "فرش وغطا".

- تحب أن تصف الموسيقى التي تؤلفها بـ"موسيقى الأفلام" في حين ترفض أن تسميها بـ"الموسيقى التصويرية". لماذا؟

* الأمر له علاقة بالـ"Terminology" (علم المصطلحات الفنية)، ما أفهمه من مصطلح "الموسيقى التصويرية" أن الموسيقى تصف الحدث، وهذا غير صحيح، ربما كانت التسمية مناسبة في بدايات السينما، أو مع أفلام ميكي ماوس، لكن الوضع تطور كثيرًا الآن، وأصبحت الموسيقى تظهر في الفيلم أو المسلسل مع التغيير الأساسي الذي يحدث في الدراما، وفي هذه الحالة لا يصح أن نسميها موسيقى تصويرية، وإنما يكون مصطلح "الموسيقى الدرامية أو السينمائية" أدق. فالمصطلح الإنكليزي الذي يطلق على موسيقى الأفلام هو "Music Score" أي التأليف الموسيقي.

- ثمة مخرجين لا يتعاونون في أعمالهم مع "مؤلف موسيقي"، من أمثال لويس بونيل وهانكه وإيليا سليمان وغيرهم.. لأن لديهم رؤية فنية تعتبر أن الصورة قادرة وحدها على التأثير في المشاهد، ولديك تصريح يحمل معنى مشابهاً، إذ قلت إنه في مسلسل "سجن النساء" كان "التمثيل قوي جدًا" وإن "الموسيقى بتخش في الأوقات اللي احنا محتاجين لها فعلاً في المسلسل"، فهل يعني ذلك أن الموسيقى المؤلفة لا تسير جنباً إلى جنب مع التمثيل باعتبارهما عنصرين أساسيين في العمل، وأن دورها ثانوي/مساعد عندما يكون التمثيل قاصراً عن التأثير أو إيصال المعنى؟

* الموسيقى عنصر أساسي في السينما والدراما على السواء. لكنها خاضعة في النهاية للرؤية الفنية للمخرج، بمعنى أنه إذا قرر عدم الاستعانة بالموسيقى في فيلمه، فعليه صياغة الفيلم بناء على ذلك، والاعتماد على عناصره الأخرى كي تحل محل الموسيقى فتصنع موسيقاه الداخلية. ويظهر الأمر بوضوح لدى مخرجي الواقعية، الذي يتخلون عن الموسيقى لما لها من تأثير حالم على المتلقي، وهو التأثير الذي ربما يتناقض مع الرؤية الواقعية التي يريد المخرج طرحها من خلال عمله.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها