الثلاثاء 2017/06/13

آخر تحديث: 13:46 (بيروت)

عادل فاخوري... وتوقف زنبرك الحياة

الثلاثاء 2017/06/13
عادل فاخوري... وتوقف زنبرك الحياة
عادل فاخوري وقصائده... الرسوم لعلي ورولا حيدر
increase حجم الخط decrease
في المرة الأولى، التي التقيت فيها عالِم اللسانيات والمنطق عادل فاخوري، في اواخر التسعينيات في مقهى الويمبي الآفل والمقفل، كان الحديث عن الشعر. جلست هناك في المقهى، انا المتحمس للثقافة وأمامي ذلك الرجل الساطع الوجه، راح يقرأ عليّ بصوت عالٍ قصائده التي سماها "القصيدة البصرية أو الالكترونية" وتكتب على شكل رسوم، وتتضمن ايقاعات صوتية منها قصيدة في اجواء الحرب اللبنانية "زنبرك الحياة"، التي تكتب على شكل ساعة، حيث القاف مكان الارقام واللام في وسط الساعة تجسد العقارب وبالتالي تجري قراءة هذه القصيدة على النحو التالي: زنبرك الحياة قلق قلق قلق قلق... وهناك قصيدة "اوهام الكيمياء" وهي تمثل النارجيلة. وسميت بهذا الاسم لأنها تمثل العناصر الأربعة المعروفة في الفلسفة اليونانية والفلسفة العربية، وبالفعل اذا قرأنا القصيدة من فوق الى اسفل سوف نجد على التوالي: ن+ا+ر=نار، ت+ر+ا+ب=تراب، هواء، ماءءءءءءء... أما كلمة أوهام في عنوان القصيدة أوهام الكيمياء فللاشارة الى عبث محاولة القدماء تحويل العناصر من بعضها الى بعض وخصوصاً تحويل المعادن الخفيفة الى ذهب. 

ربما تكون من المرات النادرة التي أحفظ كلمات قصيدة، هي التي قرأها عادل فاخوري وبقيت أرددها حتى اليوم. لاحقا توطدت علاقتي به من خلال المواظبة على الجلوس في المقهى مع مجموعة من الأصدقاء، وكان دائما يحدثني عن مشروعة عن الذكاء الاصطناعي والحاسوب ويحمل الكتب والضخمة ويقرأ ويقرأ. بدا فعلا "فيلسوف الشارع" كما سماه يحيى جابر، ويتداول عبارات مثل "أنا أفكر.. إذن أنا كومبيوتر"، ويتحدث عن مواضيع علمية الارجح أن معظمنا لا يفهم إلا اليسير منها. لا اعرف لو ان عادل فاخوري كان أجنبياً، ربما سيكون لأفكاره وكتبه وقع آخر، فهو الضليع في السيمياء والدلالة والمنطق، يقارع الكثيرين في مجاله العلمي، وكان له حضوره في بعض الجامعات العربية، وكتبه نخبوية ومميزة، ومع ذلك بقي حضوره في المقهى وعلاقته بالقصيدة الصوتية وكأس البيرة الضخم "والصعلكة"، من أساطيرنا اليومية. ومشهديته في مقهى مع الكتاب سيمياء بحد ذاتها، وقصيدة بصرية تحتاج كاميرا لتكتبها وليس كلمة...

وسئل عادل فاخوري ذات مرة كيف تعرف القصائد البصرية؟ فقال هذا النوع من الشعر ليس جديداً، ففي الواقع راج في منتصف سبعينيات القرن الماضي في الغرب وبكل لغات العالم واقيمت له عروض فنية في كثير من العواصم الثقافية، وقد شمل هذا النوع من الشعر اسماً عاما هو الشعر الكونكريتي، أي الشعر الذي يمكن معاينته بالنظر والسمع. وقد آثرت أنا هذا النوع من الشعر في الحقبة هذه عينها في العالم العربي، وقد أحدثت حينها ضجة في الأوساط الصحافية، وكان لشعراء كثيرين ممن اطلعوا على قصائدي مواقف مختلفة منها، ودار نقاش حول قيمة هذه الفنون". ونشرت النهار العربي والدولي في العدد 230 بتاريخ 4/10/81 مقالة هاجمت فيها قصيدة فاخوري، حيث ذكرت المجلة أنّ قصيدته "تحاكي في ترتيب كلامها وهندستها الهلوسة المدروسة كما تبعثر اللغة بكل مستوياتها حروفاً متفجرة متناثرة وفوضوية وكأنها تريد أن تقول كل شيء". لم يتقبل التقليديون قصيدة فاخوري ولا بعض غلاة الحداثة، بينما تأثر بها بعض جيل الشباب، وخصوصاً أصحاب المجلتين الشعريتين "رصيف" و"جرنومة" اللتين كانتا خارج الموجة التقليدية والمدارس الايديولوجية والمحافل الشعرية، ومن القصائد التي روج لها فاخوري القصيدة التي تقرأ من الخارج الى الداخل بالخط الكوفي: ميم+نون+ط+و+ي= منطوي، وقصيدة "دار العنكبوب الفضي": حيث شبكة العنكبوت تتألف من الوسط الى الخارج على التوالي من الكلمات: منوال، مهلك، مشكاة، مصابيح الجامع ملاذ، مثقال، مناجاة، ملل.

ولطالما كان السؤال عن ديوان لعادل فاخوري، لكن هذا كان أقرب الى حلم، بقيت القصائد شفاهية نتذكرها في كل مرة، وبعض الرسامين استعملوها في معارضهم مثل رولا وعلي حيدر، اللذين رسما ساعة القلق، والنارجيلة والوجه الذي يقول:
شعري ثورة الحروف
أذنيَّ علامة استفهام
العينان فاصلتان
قيل في المثل! أنفي خط التعجب
والفم
يا انتحار الجُمل
  
من قصائد فاخوري أيضاً
هسهسات السنابل 
صليل 
في الهوا 
ينتهي رحيل 
سين . سين . سين .
سرساب أسود
عصفور يطير
يتبعثر في الريح
يولد
عند تجمع الأثير
ويهوى الصعود
كلما
هم
به
من النشوة 
همى
النشوة ريش
سين . سين . سين 
سرساب أسود 
أبجد . هوز . حطي . كلمن 
سعفص . قرشت 
سين . سين 
أبجد هوز . حطي 
الحرف يسري حيث الموت 
حاء
فحيح
عصفور
عين . صاد 
عصفور 
عين . صاد 
النشوة ريش
اشخط 
النشوة ريش
اشخط 
خط . نقطة . خط 
خط . نقطة . خط 
خط .
 
وداعاً عادل فاخوري...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها