السبت 2017/05/06

آخر تحديث: 10:44 (بيروت)

"شوشو" ليس مجرد شاربين

السبت 2017/05/06
"شوشو" ليس مجرد شاربين
آخر الفنعات اللبنانية أن شوشو صار اسماً لمطعم.. فيما مسرحه ما زال مقفلاً
increase حجم الخط decrease
كثيرون من الجيل الجديد يستثمرون بفن الماضي، من باب الاستسهال والربح السريع وربما الدجاجة التي تبيض ذهباً وشهرة وربما وهماً وأحلاماً، سواء من خلال الأغاني الكلاسيكية (عبد الوهاب، صباح، أسمهان، ام كلثوم، عبد الوهاب، ليلى مراد، فيروز، سيد درويش)، أو محاولة تحديث عروض مسرحيات سمعية وكأنها تنتمي الى السينما كما حصل في مسرحيات زياد الرحباني. بعض هذه الاستعادات ينجح وبعضها يفشل فشلاً ذريعاً، وربما يكون من أبرزها الاستثمار في تراث الممثل حسن علاء الدين المعروف بـ"شوشو" (1939 - 1975).

مَن يتابع مشاهد قليلة من تمثيل خضر علاء الدين، نجل شوشو، لا بدّ أن يقول ان الابن يظن أنه يمكنه أن يختصر والده بشاربيه، وهذا ما يبينه الاعلان المنتشر في شوارع بيروت وضواحيها بمناسبة عرض برنامج "شوشو القرن 21" على شاشة nbn... فبدا مصمم الاعلان مهتماً بحجم شاربي الممثل، أكثر من اللازم، بلا أدنى معايير التعبيرية. على أن الابن ما برح يحاول استعادة أسطورة والده، وفي أكثر من مسرحية مستعادة وأكثر من مناسبة تلفزيونية، لكنه حتى الآن ما زال يتعثر في مهمته، على الأقل من الناحية الشعبية. فهو، وإن أراد تعريف الجيل الجديد بشخصية شوشو العريقة في المسرح اللبناني، لا يدرك بأن شوشو ابن زمن آخر وعصر آخر وأجواء اخرى، وإن كانت بعض القضايا التي كان يطرحها ما زالت وراهنة...

كأن شوشو الابن في حالة دون كيشوتية الوراثة، وإن كان يقول ان لديه طاقة لم يستثمرها حتى الآن. السنة الماضية قال "شوشو الابن" انه: "يفضل مناداته باسمه أكثر من شوشو الإبن لأنه لا شوشو غير شوشو"... وأضاف: "التأثر ليس جريمة، لقد تأثر شوشو بالفنان العالمي شارلي شابلن، لكنه بنى مدرسة مستقلة ولم يقلد أو يستنسخ". وهذه السنة لجأ الى تقديم شوشو القرن الواحد العشرين. ليس هناك أدنى روحية في استعادة شوشو من الابن، وشوشو كان ممثلاً اسطورياً ومغامراً ودرامياً، ومات في ريعان شبابه (36 سنة). لقد كان جديراً بأدواره ومغامراته وأرهقه المسرح بسبب الديون.

وفق الكاتب فارس يواكيم، توفي "شوشو من شدة الإرهاق والضعف البدني، بعدما عمل في الليل والنهار لسداد ديون بعض المرابين التي تراكمت عليه بسبب مشروعه "مسرح شوشو" اليومي في وسط المدينة والذي احترق مع بداية الحرب الأهلية. قدّم شوشو آخر عروضه في الأردن العام 1975، وفي طريق عودته، تعرّض لأزمة قلبية فتلقى العلاج في عمّان ثم عاد إلى وطنه حيث لازمته الآلام إلى أن فارق الحياة في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، فمات البطل، واحترق المسرح وانهارت المدينة، وانقرضت الطبقة الوسطى".

من البديهيات أن يتأثر الأبناء بالآباء، سواء في الأدب أو السياسة أو المسرح، لكن من غير المنطقي أن يبقى الابن في القالب الشكلي للأب، وهذا ما يفعله الكثير من الورثة في لبنان، وهذا ما يريده الكثير من الآباء. من دون شك، كراكتير شوشو خاص ومميز وخارق، لكنه يحتاج حنكة في التقديم والتوظيف وخلق مشهديات جديدة...

ينبغي تصوير فيلم وثائقي او سينمائي عن حياة شوشو، وحتى بعض الكتب الى تؤرخ مسيرته. فهو ابن المسرح وأيقونة من أيقونات بيروت الستينات ومنتصف السبعينات. شوشو الابن، الذي وعد بتقديم كتاب تحليلي عن والده، إذا ما أنجزه، يكون قد ساعد في إحياء ذاكرة أسطورة المسرح الشعبي، الذي لطالما كان محط اهتمام في احاديث الكثير من الكتّاب ومحطات التلفزة، لكن حتى الآن لم يصدر أي كتاب جدير عنه. الكتاب الوحيد الذي صدر حوله لأحد الصحافيين، ولم يكن أكثر من قصاصات صحف مجمعة تنقصه معايير الكتابة والتحليل والسرد.

لا يقتصر الأمر على استعادة شكل شوشو واختصاره بشاربيه وجسده النحيل الذي يتناقض مع شاربه الهائل. فبؤس بعض الكتابات الصحافية أنها تحاول تطييف شوشو، تقفز فوق إبداعه وشخصيته التي تتخطى الولاءات والجدران الطائفية، لتتحدث عن أصله وفصله وبلدته تعيده الى اللغة القوقعة... لم يحتمل بعضهم أن يكون شوشو مدينياً وهويته المسرح فحسب... وآخر الفنعات اللبنانية، بحسب إحدى الزميلات، أن شوشو صار اسماً لمطعم على طريق جونيه، وبدلاً من اللغة والمواقف والسكيتش، صار شاورما وكباب و"نارة يا والد". بات اسماً لمطعم، ونُسي مسرحه وأقفل وسط بيروت، وقبل سنوات هدم المنزل الذي كان يقطنه في البسطة (بيروت)... 
وللتذكير، ليست هذه المرة الأولى التي يتحول اسم احد المشاهير إلى مطعم او مقهى في لبنان. ففي صيدا هناك مقهى العندليب (عبد الحليم حافظ)، ومقهى أبو سليم (صلاح تيزاني)، وكان هناك مقهى "أم كلثوم"، ويبدو انه لم يستهو الجيل الجديد فتحول بين ليلة وضحاها الى مقهى "القيصر" (كاظم الساهر).
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها