الأحد 2017/05/28

آخر تحديث: 19:48 (بيروت)

المجلّات الأدبية في ظلّ الثورة ولعنة التمويل..

الأحد 2017/05/28
المجلّات الأدبية في ظلّ الثورة ولعنة التمويل..
"المجلّة هي التمويل"
increase حجم الخط decrease
 
أفسحت الثورة السوريّة المجال واسعاً أمام كثير من الأدباء السوريين الذين كانوا يرزحون في ظلّ نظام الأسد الذي دأب على التعاطي مع البلد كمحتلّ يخطّط ويعمل على الحدّ من حرّيّة التعبير، وقهر المثقّفين والأدباء، وإبقائهم نزلاء مقاهٍ بائسة، وإفقارهم والتشكيك بوطنيّتهم وولائهم، وضربهم ببعضهم بعضاً، وتأليب الناس عليهم، بمجرّد أنّهم عارضوا أو يعارضون سياساته الانتقاميّة تجاه البلد والشعب.

ما إن وجد الكُتاب السوريون المناهضون لاحتلال الأسد وحلفائه ومسانديه أنفسهم خارج حدود جمهورية الرعب الأسديّة، وبحكم أنّهم كانوا توّاقين إلى تعرية مختلف الظواهر التي عانوا منها طيلة عقود، حتّى سعوا إلى رفع سقف التعبير والتصريح بالتعرية للنظام وممارساته القذرة وشخصياته المجرمة، كما حاولوا تشريح بنى المجتمع والنظام والثقافة التي فرضها وكبّلها ودمّرها، وقراءة مسارات الأحداث ومآلاتها المفترضة والمفجعة التي قاد النظام والقوى المساندة له والمتحالفة معه إليها.

أمام اتّساع حرّية التعبير والكتابة، اشتدّت الحاجة إلى منابر تعكس رؤى الثورة وتطلّعات السوريين إلى الحرّية، وتحاول التعاطي معها بذهنية نقدية لا بعقليّة التبعيّة وتبرير الأخطاء، وقد ظهرت منابر إلكترونية مساندة للثورة سرعان ما خبا وهجها وطالها الملل والإعياء، وربّما لأنّ بعضاً منها لم ينبنِ على عقليّة مؤسساتية، وربّما لأنّ بعضاً آخر افتقر إلى التمويل الذي يكفل لها الديمومة والاستمرارية.

تقاطعت مساعي بعض المموّلين ورغباتهم مع أهداف الشعب السوريّ المتمثّلة بالخلاص والتحرّر من قيود العبودية التي فرضها نظام الأسد بقوّة السلاح والترهيب. وكان من نتاج تقاطع الأهداف والرغبات وربّما "المصالح" في سياق ما، صدور عدد من المجلات التي انطلقت من همّ سوريّ وحاولت توسيع دائرته للإطلال على الجغرافيا العربية وقضايا الحرية والتحرر في سياقات عربية وعالمية.

آفة التمويل طالت مجلات سوريّة منفتحة على الثقافة العربية والعالمية، منها مثلاً مجلّة "دمشق" التي نشرتها مؤسسة دمشق في لندن، ورأس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح، وقد صدرت في بضعة أعداد فقط، وسرعان ما وقعت في فخّ التوقّف بانتظار مَن يعيد إحياءها، أو إكمال دربها. وقد صدرت هذه المجلة بأعداد مميزة، وضمّت أقلاماً من مختلف الدول العربية، كما حاولت فتح ملفّات شائكة، والاحتكام إلى النقد؛ حتى الجارح منه، في مسعى لإعادة الاعتبار للفكر النقديّ الحيويّ.

مجلة "دمشق" التي كان شعارها "أرض الحرية وسماء الخيال" أريد لها أن تكون "مجلة أدبية فكرية تلبي أشواق السوريين عموماً والمثقفين خصوصا إلى الحرية"، وسعت إلى أن تكون صوت سوريا الحرّة الثائرة على حكم آل الأسد، لكنها لم تستطع الاستمرار بدورها، وبقيت مشروعاً غير مكتمل.

هناك مجلة "أوراق" التي أصدرتها رابطة الكتاب السوريين، وشعارها "حرية التعبير دون قيد أو شرط" وقد صدرت عدّة أعداد منها حتى الآن، وقد رأس تحريرها المفكر الراحل صادق جلال العظم، وكان من المفترض أن تكون فصلية، إلا أنها لم تستطع المحافظة على دوريتها، وذلك لأسباب تتعلق بضعف التمويل عموماً. ويُنتظر من رابطة الكتاب السوريين إعادة تفعيلها، وإصدارها تباعاً وبشكل دوري في الأسابيع القريبة القادمة، وذلك بعد انتخاب الشاعر نوري الجراح مؤخراً رئيساً للرابطة.

كما كانت هناك مجلة "بناة المستقبل" التي صدرت بدعم وتمويل من أحد رجال الأعمال السوريين، وكان يفترض بأن تستمرّ بشكل شهريّ كما أعلن حينها، لكنّها توقّفت عن الصدور كغيرها من المشاريع الثقافية المجهضة. وهناك مجلة "الغربال" الشهرية التي تصدر عن "مداد سوريا"، وترفع شعار "معاً لأجل سوريا" ويرأس تحريرها رامي سويد، وقد صدر منها قرابة خمسة وثلاثين عدداً حتى الآن، ويبدو أنها ما تزال قيد الاستمرار والنشر، على خلاف العادة في المجلات التي صدرت منها بضعة أعداد قبل أن تتوقّف وتقع في فخّ انعدام التمويل. 
مع قلّة فرص العمل بالنسبة للكتاب السوريين في الخارج، ولاسيما ممَن فقدوا وظائفهم وبيوتهم وأموالهم وأصبحوا لاجئين في دول الجوار أو في الدول الأوربية، شكّل بعض المجلات فرصة للكتابة والتعبير والبقاء على التواصل اليومي والتفاعل مع مستجدّات الأوضاع في البلد، وقد شكّلت نوافذ مساعدة، بالتزامن مع وسائل التواصل الاجتماعية، في التخفيف من الكبت المتراكم والتوق للتعبير بحرّيّة وأريحية.

لعلّ "المجلّة هي التمويل" كما يقال، ولعلّ التمويل هو الأساس الذي تستمرّ به المجلّة في الاستمراريّة والنشر، وذلك مع قلّة الإيرادات المتوقّعة منها، وبخاصّة أنّ الجانب الربحيّ غير مطروح فيها، بل هي منطلقة من جانب الانتصار لثورة الشعب السوريّ، ومقاربة تداعياتها بعد أن حوّلها النظام إلى حرب مفتوحة على الشعب، واقتفاء أثر السوريين في الشتات، والتقاط مآسيهم ومحاولة التعبير عن هواجسهم وأحلامهم وأحزانهم وفجائعهم. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها