الأربعاء 2017/04/05

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

الأبد هو نَفَس العالَم الخانق

الأربعاء 2017/04/05
الأبد هو نَفَس العالَم الخانق
تبخير السوريين، تطهير الدنيا منهم، هذه هي مهمة نظام الأبد (غيتي)
increase حجم الخط decrease
قبل مجزرة خان شيخون وبعدها، وقبل مجزرة الغوطة الشرقية وبعدها، وقبل كل مجزرة ارتكبها نظام بشار حافظ الأسد بحق السوريين وبعدها، الحقيقة جلية، وبائنة، وهي أن عالمنا، باعتباره دولة الأبد الكونية، لا يستحق الإيمان به إطلاقاً. بل يستحق، ومن فور القول والشعور، أحداثاً تطيحه. إذ إنه، ولما لا يستطيع سوى التفرج على قتل السوريين، بما يحمله التفرج من تواطؤ وتلاف للرؤية، يؤكد أن حيلولته هي الإستبداد، وأن مقبله هو الهلاك. 

"الممكن، وإلا أختنق"، كتب كيركيغارد. وحين يختنق اللابثون في إدلب، وفي المدن السورية كلها، يكون هذا دليلاً قاطعاً على أن عالمنا بلا ممكن، وأن أقل ما يريده هؤلاء منه، أي ضمان عدم موتهم، لا يستطيع أن يحققه. مرة أخرى، وبلا مبالغة، الممكن الوحيد لهذا العالم هو أن يتكشف عن كون نظام "البعث" هو صميمه، ولبّه، الذي لا يرغب في التخلص منه، لأنه، عندها، يتخلص من نفسه.

تبخير السوريين، تطهير الدنيا منهم، هذه هي مهمة نظام الأبد، مهمة أوكلتها إليه دولته الكونية، وها هو يمضي فيها، وها هو لا يتوقف عن تنفيذها، وها هو يقترفها منتظراً إستنكارها، والقلق حيالها، والتنديد بها، لكي يستمر فيها. مواصلة الإبادة، تكرار المجزرة يعني، بدلاً من أن يوقفها العالم، استدخلته، غدا في داخلها، بحيث كلما ارتكبها قاتلها يصنعه من جديد، ويقوي وجوده. فنظام الأبد، وبسفحه دم السوريين، وبخنقهم، ينتج إختلاف دولته الكونية عنه، إذ يكفل لها إعلانها بأنها ليست مماثلة له. فلا مشكلة لديه في أن يكون الشر المطلق، ما دام هذا الشر المطلق هو الذي يؤلف نقيضه، ويوفر له صيغة المقارنة: أنا أقتل، وأنت تقارن ذاتك بي، لتقول بأنك مغاير لي.

ووراء كل مغايرة له، ثمة غيرة منه. نعم، كلما غاير العالم نظام أبده، تشتد غيرته منه، بحيث لا يستطيع أن يكونه، وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أن ينتهي منه، لأنه يحدده، ويبرر وجوده. نظام الأسد هو سيد العالم، وهذا العالم هو عبده، الذي يحتاج إليه، ليشهر على الدوام أنه عكسه، وبالفعل نفسه، لكي يشرف عليه. صلة هيستيرية، صلة عليلة، لا تستقر سوى على جثث السوريين.

يعين نظام الأبد، صميم الدولة الكونية، سياسة العالم بوصفها قيادة للإبادة، إبرام لتبخير السوريين. فالخنق، وكل قتل هو من نوعه، ليس منحرفاً عن هذه السياسة، بل إنه فعلها، أقصاها، إذ إن المحكومين بها، أياً كانوا، وأينما كانوا، هم بالضرورة منقطعو الأنفاس. السوريون يجسدون الوضع المفترض، الذي لم يحن بعد، لكل محكوم بتلك السياسة، لكل مأهول بها، ولكل مصنوع في معاملها. فلما يقتل نظام الأبد السوريين، ويمنع الحياة عنهم، يشير لسكان عالمه بأن هذا هو مصيرهم في حال رغبوا في مبارحة دولته، وفي حال رغبوا في البحث عن منفذ منها: إما العدمية الديموقراطية، وجوهرها نظام بشار الأسد، وسياستها الإشتراك في جريمته، وإما الموت اختناقاً.

وكل هذا ليس "جريمة ضد الإنسانية"، بل أفظع من ذلك. إنها جريمة بحق الحياة، جريمة تكلل اعتقال عالم الأبد لها. وكل هذا أيضاً ليس جريمة بحقها في حاضرها، بل في ماضيها ومستقبلها، إنه نفي لها من كل زمن، ومن كل مكان، ونفي للإحساس بإمكانها يوماً ما، كما إنه دفع إلى الخوف والسأم والإبتئاس أو الإنتحار.

يبقى أن هؤلاء، الذين قصفهم نظام بشار حافظ الأسد في خان شيخون، أو الغوطة الشرقية، وفي غيرهما، هددوا تلك الجريمة، وأوقفوها بإيمانهم بضحيتها، بالحياة. من جهة، هناك الإيمان بالعالم العدمي والمعدوم، ومن جهة أخرى، هناك الإيمان بالحياة. من جهة، هناك خضوع للقاتل، ومن جهة، هناك عيش ضد القتل. من جهة، هناك الأموات الذين يحسبون أنهم أحياء، ومن جهة، هناك الأحياء الذين يجري خنقهم وتبخيرهم لأنهم متمسكون بوجودهم. من جهة، هناك جمهور الدولة الكونية، ومن جهة أخرى، هناك الآخرون، المتنفسون، واسمهم حاد وشديد وقاطع: السوريون. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها