الخميس 2017/04/27

آخر تحديث: 12:56 (بيروت)

من كثرة "الرجال"...

الخميس 2017/04/27
من كثرة "الرجال"...
increase حجم الخط decrease
أن ينتشر شعار "قاهر الأعداء.. أبو علي كيم"، مُذيِّلاً صورة كبيرة لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، في بلدة البرج الشمالي - جنوبي لبنان، فليس في ذلك غرابة كبرى. ذلك أن إلحاق لقب "أبو علي" بزعيم "عالمي" لمجرد أنه "عدو عدوِّنا" باتت مألوفة: "أبو علي كيم" هدّد الولايات المتحدة وحلفاءها بضربة عسكرية قد تصل إلى النووية، وذلك، للمصادفة، بعد الضربة الأميركية الأخيرة للنظام السوري بأمر من الرئيس دونالد ترامب. فصار كيم بطلاً يستحق الصورة التحية، واللقب الرتبة. و"أبو علي بوتين" استحق اللقب إثر تدخله عسكرياً لإنقاذ النظام السوري من سقوط وشيك في العام 2015. وقبل هذا وذاك بزمن، ذاع صيت "أبو علي هتلر"، الذي اعتُبرت جرائمه ضد اليهود، بطولة من مآثر مقاومة إسرائيل و"محوها" من الوجود.. من أجل "تحرير فلسطين". 

لا يهمّ أن سبب تهديد كيم لترامب هو أن الأخير يسعى إلى عرقلة تجربة نووية سادسة لكوريا الشمالية، وليس لأن أميركا ضربت الأسد. ولا يؤثر في الحماسة أن بوتين أنقذ النظام السوري ورئيسه، ليس حبّاً (والحب هنا، إن صحّ، هو في حد ذاته جريمة)، بل لاحتلال سوريا وتكريسها فناءً خلفياً لروسيا، وإبقائها، بتعقيدات حربها، ورقة لمساومة كبرى قوى العالم. ولا يهمّ أيضاً أن هتلر هو هتلر، وأن ألمانيا ما زالت تعتذر عن إنتاجه منذ أكثر من نصف قرن. ولا حاجة اليوم إلى شرح النازية، والتي كانت تكترث لفلسطين والفلسطينيين بقدر ما تكترث أمّي للمصارعة الحرة. وبالطبع، ليس مهماً أبداً، أنهم جميعاً يمثلون أشرس الديكتاتوريات، وأنهم موت شعوبهم، والخطر المحدق بمحيطهم والإنسانية بالمطلق. فالخيال الممانع "أبو علي" أيضاً.. لا يتوقف عند ترهات كهذه!

"عادية" تلك النفحة الذكورية والطائفية والعنصرية في "أبو علي"، قائداً/طاغية، "أممياً"، مفصّلاً على مقاس "قضايانا" المسمّاة قومية ومناهضة للامبريالية والصهيونية.. إلى ما هنالك من لغو نضالي مخضّب بدماء أبرياء. حتى إن ملصق "أبو عمر ترامب" ساد حسابات المعارضين السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي، ولو بشكل محدود، بعد الضربة الأميركية الأخيرة للنظام السوري، وتوجيه التهمة مباشرة إلى بشار الأسد بارتكاب مجزرة الكيماوي في خان شيخون. وذلك رغم قرارات ترامب الأخيرة ضد المسلمين والعرب (والملوّنين والمثليين والمرأة...).
كله "عادي". فهذه آفات ما عادت تفاجئ أحداً في بقعتنا من العالم.

لكن الأدهى من الشهادة لزعماء البلطجة الدولية بـ"الفحولة"، ومن إسباغ لون مذهبي فخري مكلل بالزهو على ممارسات "سفّاحين" مشهود لهم بالنزق المميت وبالميغالومانيا مُنتهِكة الأخلاق والقوانين وشرائع الحضارة، يكمن في جريمتين اضافيتين. فانتشار اللقب، وإن كان على سبيل الفكاهة، يستخف بآلام آلاف البشر من ضحايا هؤلاء "القبضايات"، من مواطنيهم ومن غير مواطنيهم. والجريمة الثانية، الأوضح، هي الاحتفاء بمن يساندون مجرمين محليين، سواء عن عمد أو عن غير عمد، بالخطاب أو بالفعل.

كيم جونغ أون ينفذ عقوبات الإعدام بوزرائه، قبل مواطنيه، لمجرد أن أحدهم غفا خلال عرض عسكري. وكيف؟ بصاروخ مضاد للطائرات، أو قاذفة لهب، أو حتى رمياً للكلاب الجائعة. والأخبار هذه لطالما تصدّرت الإعلام حول العالم، لا سيما في صفحات "المنوعات"، إذ تتخطى في "إبداعها" أقسام السياسة. أما رعايا كيم، فأولئك الذين لا يُرمون في معتقلات تثير غيرة "أبو غريب" و"غوانتانامو"، ومن يحيا منهم بأعجوبة بين أنياب الفقر المدقع والرعب والقمع والجهل والأمراض، ينخرطون في بكاء مرير حين يظهر عليهم "القائد"، ويتمسّحون في هالته، خوفاً وولهاً، في استعراض مذهل لعَقَد الاضطهاد التي قد يسرح فيها علم النفس ويمرح... وكلنا شاهد الفيديوهات. أما تهديد كيم لترامب، ففوق أنه نووي وبالتالي يستوجب موقفاً استنكارياً أياً كانت هوية "الهدف"، فإن التهديد هذا يصب في خطاب وأداء نظام على رأسه جزّار اسمه بشار الأسد.

وهناك "أبو علي بوتين"، قائد المافيا الحاكمة في روسيا. سجونه ملأى بالفنانين والمثقفين، قبل المعارضين السياسيين. قاتل الدولة الروسية، وكل ما يسمّى قانوناً، وقاتل الروس على حد سواء. وهو الامبريالي المعاصر، يطعن، وإيران، في ما يفترض بأنه السيادة السورية التي يخشى عليها محبّوه العرب. وريث ستالين، والحالم باتحاد سوفياتي جديد "يتحدث معه" العالم واقفاً، لا سيما أميركا، وتحت جزمته المغبرة، جثث السوريين.

وهتلر، "أبو علي" تاريخي. لن يشكل كلام يُكتب اليوم، أي إضافة إلى ما سطّره التاريخ في هجائه ومراجعة تجربته كي لا تتكرر، ولو بالأفكار. حتى يمسي استحضاره، في زمنه وكل زمن، إهانة لفلسطين والفلسطينيين، من بعد القيمة الإنسانية المحضة.

قد يبدو كل الكلام أعلاه بديهياً، بل ولعله مكرّر. لكن ظهور "أبو علي" جديد، كل فترة، يذكّر بأن بداهة الخطيئة لا تعصم عنها. والمثل الشعبي ما زال يتطوّر: "من قلّة الرجال، سمّينا الديك أبو علي".. بل من كثرة هؤلاء "الرجال" بيننا، نستورد، كل يوم، إلى حَلَبتنا الدامية، ديكاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها