الثلاثاء 2017/04/18

آخر تحديث: 12:39 (بيروت)

"إستماع ومشاهدة" في "بايبود".. بين فقاعتي الموسيقى والرقص

الثلاثاء 2017/04/18
"إستماع ومشاهدة" في "بايبود".. بين فقاعتي الموسيقى والرقص
كانت نظرات لوقا توحي بأن كانتيون يرقص على الموسيقى
increase حجم الخط decrease
مساء أمس الإثنين، وخلال عرض Listen and watch (فرقة 7273، لورانس يادي ونيكولا كانتيون- ضمن مهرجان بيروت للرقص المعاصر-بايبود)، وفي حين كان موريس لوقا يقدم خليطه الموسيقي، ظهر محدقاً في الراقص نيكولا كانتيون، الذي كان يؤدي حركاته أمامه. كانت نظرات لوقا توحي بأن كانتيون يرقص على الموسيقى، التي يمزجها ويهجنها ويذيعها، إلا أنه، فعلياً، لم تكن هذه هي الحال. ذلك، أن كانيتون لم يرقص على إيقاع تلك الموسيقى، أو في أثرها، بل داخل الجو، الذي صنعته، من دون أن يبدي ببدنه أي إتصال بها. فحركته منفصلة عن الموسيقى، كأنها تدور في عزلةٍ شبه تامة، عزلةٍ بلا خارج يناديها، ولهذا، هي مقطوعة عن فضائها، إذ تتصرف في البدن، وتنطفئ على سطحه.


فالموسيقى، أو جوها تحديداً، كانت، من ناحية، متبدلة ومتغيرة، ومن ناحية، متثاقلة ومتباطئة. بالتالي، كانت، وفي المشهد، الذي يجمعها مع الرقص، أكثر قوة منه، وبهذا، لا تتكفل به، لكنها، لا تقترن به أيضاً. بالكاد، إيقاعها يلامس حركته، وبالكاد، سرعتها تتقاطع مع سرعة بدنه، الذي بدا منفرداً بموقعه حيالها. على حدة، كان كانتيون يؤدي حركاته، التي التقطها من صور الرقص والرياضة والسياسة، واصلاً إياها ببعضها البعض، ومتنقلاً من واحدة إلى أخرى برشاقةٍ، صحيح، لكنها، لا تشيد جسماً لها، يكون وطيداً، بل بقي تتاليها أعزلاً. وربما، لا تنتج هذه الحركات جسمها لكي لا يقابل جسم الموسيقى، ولذلك، تفضل خلوتها على تعقب وزن الموسيقى عليها.


عند النظر إلى مشهد الموسيقى والرقص، من الممكن ملاحظة أن عنصريه، وبالإضافة إلى أنهما لا يتصلان أو يتقاطعان، لا يتناقضان، ولا يتآلفان أيضاً. لذا، ينطوي المشهد إياه على أدائين، الأول، قوامه البدن وحركته، والثاني، قوامه الآلات الخلط والعزف، والأورغ الكهربائي في مقدمتها. كل أداء، تجري متابعته بمعزل عن غيره، كأنهما على شاشتين، فيحاولان، وبطفافة، التخاطب والتخاطر من بعد، لكن، ما يجمعهما هو مكان وجودهما فقط، حيث يتقاسمان المساحة، ويتقاسمان الضوء، إلا أنهما لا يشتركان في الحظوة، وهذا ما يجعلهما، في مطافهما الأخير، بلا مشهد بينهما. الرقص يغترب داخل الموسيقى، والموسيقى، ومهما عدلت إيقاعها، تظل هي الغالبة.

وبما أن العرض بمثابة دعوة إلى الإستماع والمشاهدة، فيغدو، وبسبب التفاوت الإنفرادي بين الموسيقى والرقص، منقسماً بينهما، ليس بالتساوي طبعاً، بل بالتمايز. فالإنطلاق من الإستماع إلى الموسيقى صوب مشاهدة الرقص، يودي إلى التساؤل عن مآلها: لماذا لا تترك أثرها في بدن الراقص؟ لماذا لا تبلغ جلده؟ هل يشاهد الموسيقى الراقص، أم أن نظراته نحوه هي نظرات المترقب الخائب؟ أما، الإنطلاق من مشاهدة الرقص صوب الإستماع إلى الموسيقى، فيحمل على التساؤل عن حضوره: أين يقع هذا الراقص؟ كيف يقي نفسه من كل هذا الإيقاع؟ لماذا هو غائر في بدنه؟ وعند التنقل من الإستماع إلى المشاهدة، والعكس، يجري الإنتباه إلى أنهما، وبلا إشهار، ورغم جلبتهما، يلغي بعضهما البعض، كأن الراقص هو نفي الموسيقي، والموسيقي هو نبذ للراقص.

لحظة واحدة، كسرت هذا القانون، قانون التفاوت الإنفرادي، وقانون النفي المتبادل، بين الموسيقى والرقص، وهي تبدو دخيلة على وقت المشهد وتركيبه، وذلك، مع أنها تتشكل خلاله: لحظة سيلان عرق كانتيون، ونزوله من رأسه على الأرض، ففي هذه الأثناء، مرّ في موسيقى لوقا صوت خرير مياه، كما لو أن تقاطعاً ما قد حصل. هذه اللحظة، ولما جاءت، لم تغير مسار المشهد، لكنها، وفي نهاية العرض، عادت وظهرت من جديد: الموسيقى تذهب إلى اختفائها، والرقص يمضي إلى توقفه، وخلال هذا، يخترقان بعضهما البعض. لحظة وخاتمة هو العرض، أما الباقي منه، فليس حديثاً، أياً كان نمطه، بين طرفين، ولا "مواجهة فنية"، حسبما جاء في وصفه، بل إنه تنائي النفاخة البدنية، فقاعة الرقص، عن النفاخة الإيقاعية، فقاعة الموسيقى، من جراء مجال معطل وغير مثمر بينهما.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها