الأحد 2017/04/16

آخر تحديث: 11:46 (بيروت)

"سنة كبيسة" لربيع مروة: منوال التبلّد

الأحد 2017/04/16
increase حجم الخط decrease
الزائر لمعرض ربيع مروة " سنة كبيسة" (صفير-زملر، حتى 27 تموز)، قد ينصرف منه مردداً:"حسناً، لا بأس، إذاً؟". ذلك، أن الأعمال الموزعة في أرجاء الغاليري تكاد كلها تشترك في أمر معين، وهو أنها منتجة بتبلد واضح، يقطع بلوَرتها، حتى تبدو ديباجة لغيرها، التي لا وجود لها. 

إذ غالباً ما تتكون هذه الأعمال من موضوع ملفت، أو شبه ملفت، ومن معالجة سريعة وبسيطة، سرعان ما يعلق مكتوبها أو كلامها في دوران لا يفضي به إلى مدى أبعد من مدى بدايته. أما إظهارها المرئي، ففاتر ورخو، يكشف عن تزعزعها أكثر مما يقدمها متماسكةً. فالتبلد، الذي تنطوي عليه، يشير في بعض الأحيان إلى أنها بلا مقدرات، وبالتالي تتقي منه بالحيل، بوصفها مقاصد فنية، التي سرعان ما تنقلب إلى حبائل، أي مصائد، تقع فيها.

يستعيد مروة أعماله الفائتة، وهذه الإستعادة، التي سمتها الغاليري، وبشقاء الإصطلاح، "إعداد سينوغرافي"، تبقى، وفي زواياها وغرفها، معقودة بكثرةٍ. التمعن في تقسيمها، وتفريقها، بمثابة إشاحة للنظر عن منوال التبلد الذي يصوغها. فقد برز هذا المنوال في كل عمل من الأعمال، مرةً في مقاربته، ومرةً في صوريته، ومرةً في نصه، ومرةً في خطابه، وعندما يطبع وجهته الكلية، يغيرها الى وجهة مسدودة.

ومن جراء هذا المنوال، تغدو الوسائط مجرد محامل له، ما يجعلها تتصف به، وتستوي عليه. فقد بدت وسائط الكولاج، والتجهيز، والفيديو، فضلاً عن التأليف التصويري، ضامرة، حتى أن المواد، التي جرى مدّها بها، كقصاصات الجرائد، وأوراق الأب الرياضياتية، وبطاقات الجد البيبليوغرافية، بالاضافة الى الحوادث الحربية، في لبنان وفي سوريا، قد تمتعت بحظوة عليها، فلم تذهب بها الى خارج مجالها، لكنها اكتفت بإبانتها تقنياً، أو سردها في مقاطع مخطوطة ومقروءة. فتلك المواد، أن كانت عائلية أم لا، فعلية أم تخييلية، هي محور الأعمال. ولهذا، من المفترض، وهذا أضعف الافتراض طبعاً، أن مزاولتها تعني إدراجها في سياق مختلف عن سياقها. لكن ذلك كان غائباً، وفي حال العكس، إما يحضر طفيفاً، أو يتوقف فجأةً، كأنه ليس إدراجاً، بل سحب وأخذ، مع القليل والعاجل من التأمل والتفاعل، فقط لا غير.

ثمة ضرب من السخرية، التي تنجلي في القليل من أعمال مروة، إلا أن موضوعها ليس سوى تلك الأعمال إياها. وهي على صلة بمنوال التبلد أيضاً، بحيث أنها تشكل قطعةً منه، وفي الوقت نفسه، تحاول إكنانه. إلى جانب السخرية، هناك ضرب من الكليشيه التعبيري، كتشبيه تشويش التلفزيون بالثلوج المتساقطة، ومن الدارج السياسي، لا سيما عند الحديث في الطائفية والإقتتال، أن ينقلب العمل إلى محض رأي، أو محض رواية، لا يسعفها الكلام عن تحويل "بيروغرافيتها" إلى "بيوخرافيتها" في تدبير قيمتها، أو متناتها، وحتى "عدم اليقين" فيها خافت، وذلك من فرط فوريته، أو مباشرته، كتبديل تواريخ ولادة الجد والابن والحفيد، أو كإعتماد التجهيل القصصي (لا أعرف).

كل هذا، جعل معرض مروة مساوياً لزحمة من الأعمال التي تقوم وتنمو بمنوال واحد، كأنها تتلبد بفعل تبلدها، الذي يجتازها، ويختمها، فيمنع إتمامها، وبالفعل ذاته، لا يتيح لها أن تكون مسودات ايضاً. في المحصلة، من الممكن الاطلاع عليها، لكن معاينتها تؤدي الى كونها، وعلى الدوام، تستهل بضوضائها، قبل أن تتوقف على طرف خلائها، وتنأى عنه. فلما كان في السنة الكبيسة يوم زائد على أيامها الثلاثمئة والخمسة والستين، تلوح أعمال مروة، مثلما جاءت في معرضها، مصنوعة في ذلك اليوم. غير أنه، في حالتها، يقع قبل كل الأيام الباقية، وبلا ان يمهد لها، ومن دون ان يكون يوماً نشيطاً أو مريحاً، بل يوم خامل، وغالباً ما يأفل في منتصفه.

أعمال "كبيسة"، دورة شبه مقفلة، الى درجة أنها لا تحث على ما يُدعى، وباستسهال شديد، "تأويلها"!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها