الخميس 2017/04/13

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

الرواية اللبنانية... الحرب الدائمة

الخميس 2017/04/13
الرواية اللبنانية... الحرب الدائمة
السرد الروائي اللبناني في جانب منه ادانة شرسة للحرب (اللوحة لبول غيراغوسيان)
increase حجم الخط decrease
المتابع للنتاج السينمائي والروائي وإلى حد ما المسرحي في لبنان، لا بدّ ان يلاحظ طغيان تيمة الحرب على المواضيع المنتقاة والمختارة والموامضة في الكتابة الروائية (يوسف حبشي الاشقر، الياس خوري، علوية صبح، ايمان حميدان، رشيد الضعيف، جبور الدويهي، ربيع جابر، محمد أبي سمرا، حسن داوود...) والأفلام (مارون بغدادي، زياد دويري، برهان علوية، جوسلين صعب، رندة الشهال، جان شمعون، محمد سويد حتى سينما الشبان). كأن الحرب تعيش أبدها في هذا البلد ولا شيء غيرها، أو كأن الواقع اللبناني في حرب دائمة، وإن لم تحضر المتاريس وخطوط التماس، حضرت أطيافها وأثرها وسؤالها وناسها ورعبها. وإن لم تحدث حرب في الداخل، يأتي عدوان من الخارج أو تحصل في الجوار القريب الذي ربما يلتهمنا بلهيبه... مع أن حدوث الحروب ليس بالضرورة حافزاً لازدهار الكتابة الروائية وغيرها. 

في عدد 1 حزيران/يونيو، نشرت مجلة "الأديب" اللبنانية مقالة لجان غولمييه بعنوان "الحرب والأدب"، جاء فيها: "بين عامي 1914 و1918 كثر نقد الأدب ومؤرخيه في موضوع التغييرات البليغة التي ستحدثها الحرب، في أساليب التفكير والتعبير. وكان من المتوقع ان نشهد تجديداً بعيد الأثر في الأنواع الأدبية، اذ يستحيل أن لا يكون لتلك السنوات الأربع التي تمرست البشرية خلالها بأشد التجارب وأدماها، أثر في احساس الناس وخيالهم". يضيف: "ولكن يا للعجب، لم يكن من هذا شيء. أن الناظر الى المحصول الأدبي في مختلف البلدان الأوروبية بين عامي 1919 و1939 (ما خلا روسيا التي أنتجت أدبا جديداً خاصاً) ليحسب ان الحرب العظمى الماضية لم تقع"... لكن الواقع في لبنان مختلف جذرياً، كأن الحرب رواية، هي تيمة تقليدية نمطية (استشراقية احيانا) في لبنان، كما الكتابة عن الهولوكوست تيمة تقليدية في اوروبا والغرب، والكتابة ضد الديكتاتوريات تيمة تقليدية في أميركا اللاتينية، وكذلك تيمة المثلية التي أصبحت موضة الكتابة في السنوات الأخيرة في الكثير من البلدان حتى العربية... هذا من دون أن ننسى الأقليات والمرأة.

قبل أن تكون الحرب الأهلية والطائفية (1975- 1990)، حضرت الحرب في الكتابة اللبنانية، كثيرون راقبوا تناقضات المجتمع اللبناني واحتمالاته المرتقبة، وصراعات اليمين واليسار، والريف والمدينة، كثيرون من الكتّاب والمسرحيين والقوالين والشعراء يقولون إنهم تنبأوا بالحرب، كأنهم يحملون شهادة في التنجيم لا الكتابة، وهم "تنبأوا" بالحرب في مرحلة كان لبنان يعيش انقسامه الشارعي في بداية السبعينات، قبل أن يعيش عنفه الدموي بشكل "رسمي" العام 1975... وأتت كتابة الرواية عن الحرب في جزء منها كنوع من شهادة ضد الحرب وعبثيتها وجحيمها، سواء في رواية "الظل والصدى" ليوسف حبشي الأشقر، و"الوجوه البيضاء" لالياس خوري، و"حكاية زهرة" لحنان الشيخ، و"بناية ماتليد" لحسن داوود، و"المستبد" لرشيد الضعيف، و"حرب شوارع" لشارل شهوان الذي نشرها في الصحف وسرعان ما ضمها في كتاب في بداية التسعينات. خلال مرحلة ما بعد اتفاق الطائف صارت الكتابة عن الحرب الأهلية اللبنانية ظاهرة مزينة بقوة بعنوان صارخ اسمه "بيروت"، كأن الحرب مستأنفة ومستمرة وإن بلا رصاص أو متاريس. تداعيات الحرب (آلاف المخطوفين لم يعودوا، مناطق كاملة مهجرة)، كانت كافية لخلق الكثير من الأسئلة. التمزق الذي أحدثته الحرب كان كفيلاً بجعلها متن الكتابة والرواية، من دون أن ننسى واقع المجتمع اللبناني نفسه...

لا تقتصر الكتابة عن الحرب اللبنانية، على الكتّاب اللبنانيين، فقد تناولها كتّاب أجانب (ريشار مييه) وكتّاب من أصل لبناني (راوي الحاج، ربيع علم الدين، غسان فواز، ياسمين شار) وكتّاب عرب (صنع الله ابراهيم، غادة السمان)، أو كتّاب فرانكوفونيون (شريف مجدلاني، الكسندر نجار)، والكتّاب الشبان (جنى الحسن، هلال شومان)... واللافت أن بعض الكتّاب، حتى وإن ابتعدوا عن الحرب الأهلية، يختارون مواضيع عن حرب أخرى مثل رواية "مطر حزيران" لجبور الدويهي عن مجزرة مزيارة 1957، أو روايات ربيع جابر عن حرب 1860، وثمة روايات عن الحرب العالمية الأولى وطانيوس شاهين والجوع. كأن لبنان ولد من الحرب ويعيش في الحرب، وتاريخه سلسلة حروب (أهلية ودولية)، وسلسلة احتلالات (أخوية عربية وعدوانية اسرائيلية)، وسلسلة انتدابات. وهو بلد الغواية وبلد الشراسة، بلد الأزمات المستعصية، والجانب الاحترابي كان أكثر غواية للكتابة من الجانب الجميل، وقليلة هي الروايات اللبنانية التي خلق اصحابها متخيلا جديداً لا يستند الى الحرب ومنطق الهويات...

قلنا إن السرد الروائي اللبناني في جانب منه إدانة شرسة للحرب ولمسارها ونتائجها، وتعرية للذاكرة اللبنانية الزاخرة بالتناقضات والأحداث المريرة. وإذا كانت الرواية قد استطاعت، إلى حد ما، أن تتناول الحرب في أشكال مختلفة، بشكل مباشر أو من خلال التورية، فإن السينما والى حد ما المسرح، اصطدما بالرقابة الأمنية اللبنانية التي كانت عائقاً أمام محاولات تعرية الحرب بالصوت والصورة، والمنع مرة بحجة حماية "السلم الأهلي" ومرة بزعم "استعمال البذاءات"، وأخرى بتوصية من رجال الدين...  

ثمة جانب "سلبي" في بعض الروايات والأفلام، ربما هو انعكاس لعقلية بعض الروائيين والسينمائين. فداخل الرواية هناك نوع من التنميط والتعميم، متاريس فكرية ومكنون طائفي في اللاوعي. وتحت مسمى قول الأشياء كما هي، هناك أقنعة طائفية وما شابه... على أن نظرة السينمائي أو الروائي لم تكن واحدة إلى الحرب، كتابةً أو تصويراً، فهي تبدلت وتحولت بحكم الزمن. فالذي كان يسارياً ربماً أصبح أقلوياً، والذي كان "مقاوماً" ربما تحول مهزوماً، وكثيرون من الروائيين والسينمائيين كانوا منتسبين إلى أحزاب شاركت في الحرب، وفي زمن السِّلم عادوا إلى جذورهم.... 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها