الإثنين 2017/03/06

آخر تحديث: 11:57 (بيروت)

الكتابة.. عين الحرب السحرية

الإثنين 2017/03/06
الكتابة.. عين الحرب السحرية
لم أتصور في يوم من الأيام، أن أعيش طويلاً لأشهد عصر الرقّ
increase حجم الخط decrease
لقد كان وما زالَ سؤال "ما جدوى الكتابة"؟ حائراً وعالقاً إلى جانب الأسئلة الخالدة الأخرى، ولا أعتقد أنه يفترض أن يكون هناك "جدوى"، بالمفهوم التقليدي الذي يحمله السؤال، من الكتابة. لطالما كانت الكتابة وسيلة للتعبير ورسم الواقع والخيال عبر الكلام والكلمات. هي انعكاس لمعطيات الحياة "المجدية"، خاصة إذا أحلنا السؤال إلى الكتابة الإبداعية. إن وضع المرأة في عالمنا العربي لا يختلف كثيراً عن وضع الرجل فيه، حتى لو بدا لنا أنّه هو المُتسلط والغالب عليها. حجم التخلف وتغييب الوعي لصالح الذكورة على حساب الإنسانية، جعل من الرجل يبدو مثيراً للشفقة أكثر مما يبدو مارداً وفي يدهِ زمام الأمور. إنهيار القيم الإنسانية لم يكن نتيجة الحراك أو "الربيع العربي" ولا وليد اليوم، كما يحلو للبعض القول، بل هو نتيجة تراكمات عقود وعهود من الإهمال لأصل المشكلة. ظلت الأزمات تتوالى من دون أن يعالجها أحد حتى تضخمت وصارت تحتل مكاناً في حياتنا على حساب حريتنا.  

نتساءل دائماً ما جدوى الكتابة في مواجهة الواقع المُرّ؟ في الأغلب سيأتي الجواب ذاتياً. الكتابة، كفعل وكمهنة، لا تشبه باقي الأفعال والمهن العامة التي نتلمس نتائجها على الفور في المجتمع.

في لحظة ما أنقذتني الكتابة من الوقوع في فخ اليأس والإستسلام للواقع الذي نشير إليه. كانت حافزي للاستمرار في الحياة وإيجاد ملاذات آمنة عبرها، حتى وصلت يوماً ما إلى قناعة أنه لولا الكتابة لما كنتُ ما أنا عليه الآن؛ من أفكار ومن مسيرة حياة أحاول أن أخطوها بثقة ومعرفة أكثر من قبل.

حتماً لكل فعل، جدوى في الحياة، فلا معنى للفعل بلا جدواه، أو هكذا نظن وربما نتوهم. والكتابة أحد هذه الأفعال. لن أخوض في فضائل الكتابة علينا، فهي واضحة ومعروفة. وكذلك لن أخوض في سلبياتها، فنحنُ نواجهها بشكل يومي. سأكتفي بتسليط الضوء على ما نواجهه حالياً من منعطفات تاريخية أوصلتنا إلى أبواب مغلقة تقريباً.

لم أكن أتصور في يوم من الأيام، أن أعيش طويلاً لأشهد عصر الرق والعبيد والأسيرات. لكن هذا حدث، في مدينتي نينوى. عندما قام تنظيم "الدولة الإسلامية" بمهاجمة قرية إيزيدية مسالمة وأسر سكانها ومصادرة أموالهم واستخدم نساءهم كجاريات للجنس فحسب!

كل هذا حدث وأنا أتابع بمرارة العاجز من كثب ومن بعد. ولم أكن أتخيل أن يكون سبيل معرفتي بهذه الكوارث ستكون عبر الكتابة! لطالما أعتبرت سابقاً أن الكتابة فعل "المرفهين". لولا الكتابة والصورة لما كنا نعلم ماذا يجري في بقاع لم نعد نطأها. معظمنا، نحن الكتّاب، لا نملك أسلحة لنواجه بها المعتدي. لكن نملك القلم والمعرفة، أسلحتنا التي نجيد استخدامها وتوجيهها. لم يكن للعالم أن يسمع صوت وجع نادية الإيزيدية ورفيقاتها في العالم لولا الكتابة، التي أوصلتها إلى منصة مجلس الأمن لمواجهة العالم بعاره الإنساني. ولم يكن لقضيتها وقضية بنات جنسها لتكون معروفة للعالم لولا الكتابة. حتى الأشعار والقصص المروية عن وجع هذه الأقلية ساهمت كثيراً في لفت نظر العالم إليهم وأن الظلم موجود في كل بقاع الأرض، ولكننا لا نرى..

الكتابة وسيلة لإيجاد الحلول وليس الحل نفسه. دورها يأتي من أهمية استخدامها كوسيلة لإيجاد المفتاح المناسب، لا كمفتاح يفتح الأبواب ولا نعرف ما يقبع خلفها.  

الكتابة كانت وما زالت عين الحروب والهزائم والانتصارات. عين الخسارات والأرباح. عين الذاكرة والحاضر والمستقبل. عين العبث الذي نحتاجهُ أحياناً للهروب من قسوة الواقع. كل ما نود أن نعيشهُ أو لا نعيشه نقولهُ عبر الكتابة. فهنا، نخلق عالمنا الذي نودُّ، فكيف لا تكون جدوى لفعل يخلق لنا عالماً نتمناه، حتى ولو كان افتراضياً؟! 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها