الجمعة 2017/03/31

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

القصة المُصوّرة.. الأدب مرئياً

الجمعة 2017/03/31
القصة المُصوّرة.. الأدب مرئياً
قالوا: الصورة بألف مقال، الآن هناك صورة بألف قصة أدبية.
increase حجم الخط decrease
1
في البيوت وفوق الأسطح، الشوارع، ملاعب كُرة القدم، من داخل السجون وقاعات المحاكم، أحواش المقابر، من بين أجواء الأفراح الشعبية، وسائل المواصلات العامة. أينما وُجد البشر هناك قصة تدور. ليست بالضرورة مكتوبة. زمان قالوا: الصورة بألف مقال، الآن هناك صورة بألف قصة أدبية.

2
أرسل لي صديقي المُصوّر الشاب رابط موضوعه الجديد في أحد المواقع الإلكترونية. "أريد رأيك"، قال.

قرأت فقرات قصيرة. بعض الملاحظات على الصياغة واللغة تصورتها لن تُزعجه. هو مُصوّر يجرب الكتابة، هكذا قلت. من هنا يأخذ رأيي، كما لو أخذت رأيه في صورة التقطتها وأنا لست مصوّرًا.

قال إنه استغرق حوالي عامين في مشروعه هذا. تحرّجت من سؤاله: أين المشروع؟ ولماذا سنتين في هذه السطور شديدة البساطة؟ لكنه سبقني بالإجابة: "قل لي رأيك في الصور".
السطور التي قرأتها كانت مقدمة قصيرة لقصة إنسانية مُصوّرة. عدد كبير من الصور يحكي حكاية رابطة مشجعي النادي الزمالك "الألتراس"، ومعاناتهم مع رجال الأمن. أحداث عنيفة فقدوا فيها زملاءهم. في قلب القصة، صورة لهم يملؤون مدرجات التشجيع، بينما وقف ضابط بزيه العسكري يحمل كاميرا صغيرة ويصوّرهم. لم أحتج لشرح صديقي كي أعرف السبب. الضابط يصور وجوههم حتى يستطيع الأمن إلقاء القبض عليهم حال احتياجه لذلك. صديقي قال إنه بعدما التقط هذه الصورة وانتشرت عبر مواقع التواصل، عدّلت وزارة الداخلية من أدائها. بات الضُبّاط المكلفين بتصوير المدرجات يرتدون زيًا ملكيًا وليس عسكريًا.

3
في العام 2009، على ما أعتقد، انتشر مُصطلح "القصة المُصورة" أو "محرر الصورة" على استحياء. المُصطلح الثاني كرّست له الصديقة والمُصورة المعروفة رندا شعث، وعملت على انتشاره حتى أصبح لها تلاميذها يفعلونها بتميّز.

في تلك الأيام أدركت صُحف مصرية قليلة جدًا أن قوة السبق الخبري في طريق الزوال، وأن الاعتماد على صفحات مُتخصصة، متنوعة، ثقافيًا سيأتي بقارئ جديد. هو نفسه القارئ الشاب الذي ساهم في صُنع ثقافة الأفضل مبيعًا أو "البيست سيللر". هؤلاء القراء الجدد الذين كانوا يتزاحمون فيُغلقون شارعاً لحضور ندوة علاء الأسواني، وسط تأفف عدد كبير من المثقفين الجالسين على المقاهي يحللون ظاهرة ليتها دامت.

تبعات الثورة ضربت، في مقتل، طلوع ثقافات وفنون جديدة إلى السطح، أو بدقة أكثر، ضربت مساحة تلق كانت مبشرة للغاية. ثقافات صنعها شباب مُجدد في كل المجالات. فبينما كان المتأففون جالسون على المقاهي يحللون وينتقدون ظاهرة "البيست سيللر"، كان ما عُرف بجيل الكتابة الجديدة يوسّع لنفسه مكانًا كبيرًا في الساحة، غير متأفف من قارئ البيست سيللر، بل يحاول السعي إليه بطريقته، عبر إداراك أننا لا نكتب لأنفسنا. لن نكتب بشروط البيع والشراء، لكننا نضع هذا القارئ في اعتبارنا. بالتوازي، اجتاحت الفرق المستقلة ونجوم "الآندر غراوند" القاعات التي يذهب إليها ذات القارئ المتابع لكُتّاب الألفية، بينما بعض التشكيليين الجُدد يشتغلون على "الفيديو آرت".

الكُتّاب والمطربون والتشكيليون والسينمائيون هنا في مكانهم، غير أن الظروف والتلقي ذهبا في منطقة أخرى. إحباطات الثورة جاءت على الجميع، والمتلقي يفكر في الخبز قبل الحرية.

4
من بين تلك الصفحات الثقافية المتخصصة في مجالات غير الأدب والفن التشكيلي، أُفردت صفحات للقصة المُصوّرة. تجلّى العمل وقت ثورة يناير الحبيبة، حتى إن بعض هذه الصفحات عُلق في ميدان التحرير. وقتها كانت الصحافة المُستقلة تتألق، قبل أن تمر الثورة بما مرّت، ويدرك الحاكم أن الصحافة الحكومية لم تعد تؤثر، وأن تأميم المُستقلين صار واجبًا. الآن، يبحث الجميع عن نوافذ بعيدة عن قبضة السلطة. الأفكار لها أجنحة نعم، لكن الطيران بأجنحة مربوطة شديد الصعوبة.

5
وُفّق من أطلقوا على هذا النوع من الفن اسم "القصة المُصورة"، هي ليست قصة صحافية، هي حكاية بالمعنى الأدبي للكلمة، حكاية تطرح الأسئلة الإنسانية بالكاميرا وليس بأزرار الكومبيوتر.

"خلال تجربتي، كانت كثيرًا ما تفرض القصة المصورة اسئلتها الذاتية علي، وعندما حاولت  أن أحصي إجابتي وجدتها تدور حول سرد القصص البصرية بغير وجهة نظري في التصوير، لأنني فجأة بعد أن كنت أحاول اصطياد الصور من الشارع، صرت مشغولة بالتفتيش عنها داخلي"، تقول هبة خليفة شهادتها في العدد الجديد من دورية "الفيلم".

المجلة برئاسة تحرير الكاتب المصري سامح سامي، صدّرت ملفها الرئيسي "تاريخ الفوتوغرافيا في مصر"، بواحدة من أشهر الصور في السنوات الأخيرة. المُصوّر المصري محمود أبو زيد "شوكان" وراء قفص المحكمة يمسك في يديه كاميرا وهمية كأنه يصور محاكمته، بعدما أُلقي عليه القبض وهو يسجّل وقائع فض اعتصام رابعة العدوية فوتوغرافيًّا. "شوكان" لُفقت له عدة تهم ربما تصل به إلى حبل المشنقة، وفق موقع منظمة العفو الدولية.

لم يستطع، بالأحرى، لم يلحق شوكان سرد قصّته المُصوّرة، غير أن صورته الشخصية وراء القفص، هي سردية كبيرة في حد ذاتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها