قيل الكثير بشأن الكوفية الفلسطينية وتوريث الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لنجله تيمور في الذكرى الأربعين لاغتيال والده كمال جنبلاط... وبالتأكيد لا جديد يقال في هذا الشأن، أو أن ما قيل قد قيل. فحتى لو كان جنبلاط يقرأ الروايات الحداثوية ويندد بـ"التقوقع" و"الانعزال" في مكان ما، وينظّر لـ"المعاصرة" ويرأس حزباً اسمه "التقدمي الاشتراكي"، فهو أولاً واخيراً ابن طائفته وابن لبنان الذي نجد التوريث السياسي فيه على قدم وساق، ليس في العائلات السياسية التقليدية فحسب (تويني، ارسلان، سلام، الاسعد، فرنجية، الجميل، كرامي، سكاف، حمادة، اده...). وحتى في الأحزاب العلمانية والاشتراكية "تورطت" في التوريث: رافي مادايان "الشيوعي"(السابق) حاول وراثة والده جورج حاوي وفشل، وأسامة سعد "الناصري" ورث شقيقه مصطفى والشقيق ورث الأب، وهلم جراً.. (من يسمع خطاب أسامة سعد ضد الطائفية يظنه يحمل راية اتاتورك العلمانية).
أن يتكرر مشهد التوريث السياسي، فهذا من البديهيات في ظل نظام الطوائف الأبوي والبطريركي والقبلي... لكن السؤال ماذا عن التوريث الفني والأدبي والصحافي والطبي والاجتماعي والمخاتيري والمهني... ابن الموسيقي، موسيقي، وابن الشاعر، شاعر، وابن الصحافي، صحافي... الأرجح ان التوريث بات تقليدا مملاً في كل شيء حتى في الفراغ وحتى في اللصوصية، وتبقى الطامة الكبرى حين يكون الوريث كارثة وجدت فقط من شعور العقل الأبوي بـ"الخلود"...
وبغض النظر عن فذلكة التوريث والعائلات الروحية ومجد "العباءة" و"القلم" و"المقام" وحتى "المكتبة" و"الاسم"، يلاحظ أن معظم هذه العائلات "الروحية" السياسية، ذاقت المرارة الحياتية قبل المجد السياسي والسلطوي. عاشت التراجيديا وشلالات الدم، وقلة قليلة من العائلات لم تعش مأساة الاغتيال... أهرق دم كثيف في لبنان، في جزء كبير منه يرتبط بالاحتلال السوري و"أخواته"، وفي جزء آخر يرتبط بالصراع الطوائفي والأهلي والأخوي، وبالتالي كان الدم وسيلة للهيمنة... أهرق دم "نهري" يظهر عمق القبليّة في لبنان (وسوريا ايضا). معظم الطوائف قتل قادتها بشكل او بآخر، ومعظم العائلات السياسية قتل منها وريث سياسي أو اكثر... سعد الحريري ابن الرئيس رفيق الحريري الذي اغتيال العام 2005، فيصل كرامي أو ابن شقيق الرئيس رشيد كرامي الذي اغتيل العام 1986، النائب سليمان فرنجية ابن الوزير والنائب طوني فرنجية الذي اغتيل العام 1978، دوري شمعون شقيق داني شمعون الذي اغتيل العام 1990، سامي الجميل شقيق الوزير بيار الجميل الذي اغتيل العام 2006، نديم الجميل ابن الرئيس بشير الجميل الذي اغتيل في 1982 (شقيقة الجميل اغتيلت ايضا)، نايلة تويني ابنة النائب والصحافي جبران تويني الذي اغتيل في 2005، ايلي ماروني شقيق نصري ماروني قتل العام 2008، ميشال معوض ابن الرئيس رينيه معوض اغتيل في 1989، علي عسيران شقيق عبدالله عسيران الذي قتل العام 1971، أسامة سعد ابن معروف سعد الذي اغتيل العام 1975، وشقيقه مصطفى تعرض لمحاولة اغتيال، زياد القادري ابن النائب ناظم القادري الذي اغتيل في 1989، ليلى الصلح حمادة ابنة الرئيس رياض الصلح الذس اغتيل العام 1951...
هذا من دون أن ننسى عشرات الاغتيالات ومحاولات الاغتيال لسياسيين وصحافيين (سليم اللوزي، سمير قصير...) وعسكريين (فرنسوا الحاج...) ورجال دين (صبحي الصالح، حسن خالد... "تغييب موسى الصدر"...) وأمناء أحزاب (فرج الله الحلو، جورج حاوي، عباس الموسوي...) وغيرهم... ومن بين هؤلاء تبدو العائلة الجنبلاطية ذات باع في التراجيديا والدم. العائلة التي قيل إنها من أصول كردية حلبية وسكنت جبل لبنان قبل مئات السنين، معظم قادتها قُتل او اغتيل. فالشيخ بشير جنبلاط اغتاله أو أعدمه بشير الشهابي العام 1825... وفؤاد جنبلاط (والد كمال جنبلاط) عين قائمقاماً للشوف العام 1919، وكان يتنقل يوميا بين القرى والبلدات لجمع الشمل ونبذ الخلافات، وفي يوم 6 – 8 – 1921 اطلق عليه شكيب وهاب النار بالخطأ وقتل إذ كان على صهوة فرسه...
كان عمر كمال جنبلاط عند مقتل والده اربع سنوات. تولت زمام الامور في دار المختارة والدته الست نظيرة، إلى ان تولى كمال القيادة العام 1943، واغتيل وفي مارس/آذار 1977. فوقف وليد جنبلاط البالغ من العمر وقتها 28 عاماً، بين أركان الطائفة الدرزية وقادة "الحركة الوطنية اللبنانية"، ليلبس عباءة الزعامة الجنبلاطية. ولم تمانع "الحركة الوطنية" ان يكون زعيمها من ورث السياسة عن أبيه، بدا ان الجميع هم ابناء الوراثة وابناء النظام البطريركي الأبوي، يساريين ويمينيين.
وليد جنبلاط بدوره نجا من الموت بأعجوبة، اذ تعرض لمحاولة اغتيال في بداية الثمانينات، وها هو الآن يورّث نجله تيمور جنبلاط تحت شعار، مضمونه من كلمات الشاعر الفلسطيني توفيق الزياد "ادفنوا موتاكم وانهضوا"... الذين يحبون وليد جنبلاط سيجدون ألف مبرر لهذا التوريث...
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها