الخميس 2017/03/23

آخر تحديث: 13:33 (بيروت)

اسطورة "ست الحبايب"

الخميس 2017/03/23
increase حجم الخط decrease
مع حلول عيد الأم، عادت اغنية "ست الحبايب" إلى الواجهة، وتناقلت وسائل الإعلام حكاية اسطورية حول تأليف هذه الأغنية وتلحينها، إلا ان العودة إلى الصحافة التي رافقت ولادة هذه الأغنية تنقل قصة أخرى لا تمت إلى هذه الأسطورة بأي صلة.


تحت عنوان"ست الحبايب: أغنية كُتبت ولُحنت في دقائق وعاشت لسنوات"، نشر موقع "العربية" مقالة من توقيع أشرف عبد الحميد تناقلتها عدد كبير من الصحف والمواقع الإعلامية. تروي المقالة حكاية تأليف وتلحين هذه الأغنية، وهذه الحكاية معروفة منذ سنوات، وقد نقلها أسامة حمزة عجلان في مقالة تُشرت في صحيفة "المدينة" سنة 2012 بمناسبة عيد الأم. بخلاف أشرف عبد الحميد، ذكر حمزة عجلان مصدر "قصة أغنية ست الحبايب الشهيرة"، وقال أنه نقلها كما أتته عبر البريد الألكتروني، لكن المؤلف الأصلي لهذه  الحكاية يبقى مجهول الهوية، وقصته المنتشرة على مواقع عديدة لا تحمل توقيعا. تقول القصة: "في بداية الستينيات من القرن الماضي، وفي عيد الأم، ذهب الشاعر الغنائي الكبير حسين السيد في زيارة إلى أمه، وكانت تسكن في أحد الأحياء الشعبية في الدور السادس، وبعدما صعد السلم ووصل شقة والدته اكتشف أنه نسى شراء هدية لها بهذه المناسبة، وكان من الصعب عليه نزول السلم مرة أخرى، فوقف على باب الشقة وأخرج من جيبه قلماً وورقة وبدأ يكتب هذه الكلمات ليهديها إلى أمه في عيد الأم".

يكمل الراوي الحكاية: "طرق حسين السيد باب الشقة وفتحت له والدته وبدأ يسمعها كلمات الأغنية، ففرحت بها جدا، ثم وعدها على الفور بأنها سوف تسمعها في اليوم التالي في الإذاعة المصرية بصوت غنائي جميل، دون أن يعرف كيف سيفي بهذا الوعد. ثم اتصل على الفور بالموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وأعطاه كلمات الأغنية على التليفون، فأعجب عبد الوهاب كثيرا بكلمات الأغنية وقام بتلحينها في بضع دقائق ثم اتصل بالمطربة فايزة أحمد رحمها الله لتحضر عنده وأسمعها الأغنية وتدربت عليها وحفظتها، وفي صباح اليوم التالي 21 مارس، ذكرى عيد الأم، غناها في البداية محمد عبد الوهاب على العود فقط، ومع نهاية اليوم كانت فايزة أحمد قد غنتها في الإذاعة بالتوزيع الموسيقي، وبذلك أوفى حسين السيد وعده لوالدته".

بدوره، نقل أشرف عبد الحميد هذه الحكاية بعد أن شاعت، واكتفى بتصحيح تاريخه، في لم تسجّل "في بداية الستينيات من القرن الماضي"، بل في عام 1958،"وأذيعت لأول مرة في الإذاعة المصرية يوم 21 مارس". كتب حسين السيد الأغنية أمام باب منزل والدته، واتصل بالموسيقار محمد عبد الوهاب وروى له القصة، وقرأ عليه الكلمات. وفوجيء في اليوم التالي هو ووالدته بالأغنية تذاع في الإذاعة المصرية وبصوت فايزة أحمد. وكانت الأقدار تحيط بالجميع فقد حفظت المطربة الكبيرة الكلمات بسهولة وأدت البروفات بسلاسة ويسر حتى مطلع الفجر، ومع إشراقة صباح يوم 21 مارس، وهو عيد الأم، كانت فايزة أحمد في الإذاعة المصرية تسجل الأغنية لتبث في العاشرة مساء نفس اليوم، وتنطلق عبر الأثير في سماء العالم العربي لتحفر اسمها بحروف من نور في أذهان وذاكرة الجماهير".


يُصعب على متابعي أعمال محمد عبد الوهاب تصديق هذه الرواية، فالموسيقار معروف بطريقته المتأنّيه في تسجيل ألحانه، والشواهد لا تُحصى. في كتابه "مع محمد عبد الوهاب"، يصف الياس سحاب وصفا حيا مباشرا هذه الطريقة من خلال عرضه لجلسة اعداد المونتاج الأخير لأغنية "بصراحة" التي أدتها فايزة أحمد، بحضور نصري عبد النور، مهندس الصوت الذي لازم الملحن في تسجيلاته حتى وفاته، ويروي كيف ولد التسجيل الرسمي لهذه الأغنية من ستة تسجيلات مختلفة، و"كيف فرض عبد الوهاب على مهندس الصوت في كلمة الافتتاح في الأغنية "بصراحة"، اختيار حرف "الباء" من تسجيل، وبقية كلمة "صراحة" من تسجيل آخر، لأن كلمة بصراحة التي اختارها كانت الأجمل بين التسجيلات، لكن حرف "الباء" فيها كان يشوبه شيء من الجفاف في أداء المطربة الكبيرة، فاختار للكلمة حرف "الباء" من تسجيل آخر، لأنه كان أشد ليونة وعذوبة". ويبدو أن عبد الوهاب، اتبع هذه الطريقة عند تسجيل "ست الحبايب"، كما روت مجلة "الكواكب" في أيار-مايو 1958، في مقالة خُصّصت لهذه "الأغنية التي تسللت إلى كل قلب".


بحسب هذه المقالة التي رافقت نجاح الأغنية عند صدورها، اقترحت رئيسة لجنة تنظيم عيد الأم السيدة زينات الجداوي على المسؤولين في الإذاعة إعداد أغنية خاصة بهذا العيد ضمن البرنامج الذي تعدّه لهذه المناسبة، فرحّبت بالفكرة، ووافقت أكثر من مطربة على تسجيل هذه الأغنية مجانا. واتصلت صاحبة الفكرة بعبد الوهاب، فكلّف حسين السيد بوضع الكلمات، وعندما سمع مطلعها من المؤلف، دندن مطلعها، واتصل بزينات الجداوي، وقال لها أن أصلح صوت يؤدي هذه الأغنية هو صوت فايزة أحمد، فسارعت إلى الاتصال بالمطربة، ونقلت لها الخبر.

سارعت فايزة إلى الاتصال بعبد الوهاب، فدعاها إلى بيته لتسمع اللحن، وقضت السهرة في بيته، وسمعت منه اللحن، واقترحت تعديل بعض الكلمات. وفي منتصف الليل، انضم حسين سيد إليهما، وعدّل في الكلمات، "وعدّل عبد الوهاب لحنه ليتآلف مع الكلمات الجديدة، وكانت الساعة قد شارفت الثالثة صباحا". حفظت فايزة اللحن، ودخلت الإذاعة في اليوم التالي لتسجيل الأغنية.

سُجلت الأغنية عشرين مرة في الإذاعة، ولكن عبد الوهاب لم يعجبه أي تسجيل منها، وأصر على أن يعاد التسجيل في "ستديو مصر"، واستقدم فرقة موسيقية خاصة دفعها أجرها من جيبه. وفي يوم العيد، أذيعت "ست الحبايب"، وتلقّت الإذاعة عشرات الطلبات لإعادة إذاعتها، واستمرّت الإذاعة في تقديم الأغنيات مرات عدة في البرامج اليومية نزولا عند إلحاح المستمعين، وهكذا تخطّت "ست الحبايب" أسوار المناسبة، لتصبح أغنية من أغاني البرامج العامة.

تلك هي قصة "ست الحبايب" التي حجبتها الأسطورة المتخيلة التي نسجها أحدهم حولها، وتناقلها من بعد العديد من الرواة دون أي تحقيق، كما يحصل في أغلب الأحيان، فباتت مع انتشارها قصة "واقعية"، مع انها فانتازيا متخيّلة لا تمت إلى القصة الحقيقية بأي صلة. 
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها