الأربعاء 2017/03/22

آخر تحديث: 12:27 (بيروت)

تيد هيوز وسيلفيا بلاث.. خيانة مشروعة

الأربعاء 2017/03/22
تيد هيوز وسيلفيا بلاث.. خيانة مشروعة
بالنسبة للكثيرين، نحن غير موجودين إلا في الكتب
increase حجم الخط decrease
1
في 11 شباط/فبراير1963، دخلت سيلفيا بلاث برأسها إلى أقصى ما تستطيع من مساحة فُرن مفتوح الغاز. كانت وضعت أقمشة مبلولة عند الفتحة أسفل باب المطبخ كي لا يتسرب الغاز القاتل إلى طفليها، بعدما حضّرت لهما طعام الإفطار. وجدتها مُمرضتها النفسية ميتة على بطنها، نصفها داخل الفرن بينما يتدلى جذعها وساقيها خارجه.

الحركات النسوية في العالم أرجعت انتحارها إلى ما سببه لها زوجها من آلام المعاملة والخيانات المتكررة. بعض الشاعرات اعتبرنها قديستهن. الشاعرة الأميركية تُجسد في نظرهن تجلي الألم الشِعري والسؤال الإنساني المواجه لعذاب الذكورية، خصوصًا العربية. منذ يوم موتها، عاش زوجها، الشاعر الإنكليزي تيد هيوز، يشاهد نفسه شيطان الروايات الرسمية لقصة النهاية المأساوية في حكاية سيلفيا بلاث، وانتحارها المسرحي.

"الحاضر بالنسبة إليّ يعني الأبد، والأبد يجري ويذوي بلا انقطاع. كل لحظة هي حياة، وكل لحظة تمضي هي موت"، تقول سيلفيا.

2
مؤخرًا، صدرت الرواية غير الرسمية للحكاية بعنوان "أنت قُلت" بوقائع تتفق كثيرًا مع ما حدث تاريخيًا، ولكن بزاوية حكي انحرفت إلى الجهة المُقابلة. أخرجت تيد هيوز من قبره. أعطته فرصة الكلام، الحكي وليس الدفاع عن النفس. الرواية كتبتها امرأة، هي الروائية الهولندية كوني بالمن، وترجمتها الى العربية امرأة أخرى، هي الشاعرة التونسية لمياء المقدم.
يبدأ هيوز، قبل سنوات من نيله لقب شاعر البلاط الملكي البريطاني:
"بالنسبة للكثيرين، نحن غير موجودين إلا في الكتب. أنا وزوجتي. تابعتُ على مدى الأعوام الخمسة والثلاثين الأخيرة، بكثير من العجز والاستنكار، كيف تعفنت حياتها وحياتي تحت طبقة من المغالطات والشائعات، والقصص الملفقة والشهادات الكاذبة والأساطير والخرافات الهراء. ورأيت بعيني كيف تم تحوير شخصيتينا المركبتين إلى شخصيتين عاديتين، بملامح باهتة وبسيطة صنعت خصيصًا لإرضاء نوع معين من القراء الطامحين للإثارة. هي المقدسة الهشة، وانا الخائن القبيح".

ربما تكون النهاية فادحة الإثارة، لحكاية الشاعرين، هي نهاية ملائمة لبداية كانت خاطفة في جمالها، حيث دخل هيوز الوسيم حفلة لمناسبة ثقافية، تشحنه رغبة في فتاة جميلة ترقص ثمِلة. وبينما يسعى للفت نظرها، تباغته بعضّة في خدِّه: "هو اليوم الذي أصبحت فيه ملكها"، يقول.

لن تلجأ الكاتبة إلى أي حيل فنية مُعقدة. أعطت ميكروفونًا لهيوز وتركته يحكي من دون توقف. لا فصول أو أقسام. سيتسرسل من الغلاف إلى الغلاف في ما يشبه التدوين، تفاصيل لا تنتهي، وأيّام لا تتوقف عن نهم الحياة والشواطئ والشراب والبحث عن أفضل طريقة لتوفير إمكانات العيش من دون تضييع وقت الكتابة.

لم يبرئ هيوز نفسه من كل اتهام وُجّه إليه. غير أنك لن تتوقف، بشكل ما، عن التعاطف معه. لن يُكذّب أمر علاقاته النسائية، لكنك قد تجد ما يبررها إنسانيًا. العالم يتعامل مع أثر سيلفيا بلاث الشعري والإنساني، بينما يضعك هو أمام معطيات هذا الأثر.

ماتت سيلفيا في انتحارها الأخير. نعم، تلك الحادثة الشهيرة لم تكن نتاج محاولة أولى للانتحار. كانت لها محاولة سابقة قبل أن يتعارفا. كأنها كانت مولعة بحشر جسدها داخل فتحات مميتة. في المراهقة، نزلت إلى قبو البيت، تمددت داخل فتحة في حائط، بالكاد تسع جسدها الصغير. أنقذوها من الموت. خدوش الاحتكاك ببروزات الفتحة الحجرية لم تترك أثرًا على وجهها وحده. تركت، أيضًا، حنيناً مقيماً للانتحار حشرًا.


معطيات سيلفيا كانت أبًا رحل في الصغر، وأمًا تحمل شيئًا من قسوة، وموهبة أدبية استغرقت وقتًا قبل العثور على صوتها الخاص، وملامح شخصية مرتبكة، ترغب في امتلاك رجلها حتى أصابع قدميه. تلك فنانة لم تستوعب فكرة أنها زوجة لشاعر أهم منها، أو على الأقل تم تلقيه مبكرًا كشاعر كبير ولافت، بحسب وصف المؤلفة في حديث صحافي.

3
لم ينفصل تيد هيوز نفسيًا عن زوجته لكونها تحولت من فتاة خطفته إلى امرأة عادية تحيك الجوارب. تلك الإشكالية التي تراها النسويات في ذكور حوّلوا زوجاتهم إلى سيدات بدينات ثم تركوهن. لا. هذه رواية تقول إن هيوز انشغل بمساعدة زوجته في ضبط موهبتها والاستقرار على صوتها الشعري، على أن تتخلص من غيرتها الشديدة تجاه أي امرأة أخرى، أن تزيح عنها محاولات بائسة للفت النظر. وبينما بدأت في التحقق ولفت نظر النقاد (الذين لم تترفع عن اهتمامهم ولو بينها وبينه)، اكتشف هو كيف ابتعد عن نفسه، وكيف لم يعد مستمتعًا بهذه العلاقة.

في تلك اللحظة ستظهر آسيا فيفل، المرأة الوحيدة التي لم تشعر تجاهها سيلفيا بقلق أو غيرة على زوجها. شاعرة وسيدة مثيرة، اتفقت مع زوجها على علاقة مفتوحة، يفعل فيها كل منهما ما يحلو له بجسده. من هنا لم يقف زواجها أمام اشتعال هيوز. سيرمي كل شيء وراء ظهره ويذهب معها في حياة أخرى ودماء جديدة في العروق.

4
تنتهي "أنت قلت" عند انتحار سيلفيا. لكن الحكاية الأصلية لم تكن لتكتمل إلا بانتحار آسيا فيفل بالطريقة نفسها، حشرًا في فرن مفتوح الغاز، ليتحدث العالم عن الشاعر الخائن الذي يدفع النساء للانتحار.

ذلك لأن بعض الكتّاب لا يترك أجمل من حكاية غير مكتوبة، يحكيها الجميع إلا هو.

---------------------
هنا قصيدة للمترجمة لمياء المقدم كحالة هروب هيوز الى اسيا:
"تزوجت رجلًا.
جاء إلى بلدي ليأكل، وكنت أعمل بائعة خبز في قرية صغيرة، فمنحته الدفء والخبز، علمته الأسماء.
كل يوم يجلس أمام بابي
ينظر بعينيه الحلوتين لاهتزاز حلمتي ويدي تخيطان في العجين حتى وقعت في حبه.
تركت المحل وأبنائي وتهت معه في الغابات. قال إنه يحتاجني أكثر من الخبز. قال إنه فقد عمره في معركة قاسية.
أخذته إلى بيتي. كل صباح أفتح النوافذ. أرفع الغطاء عن وجهه وأقول: صباح الخير أيتها السعادة".
 

(*) الرواية صدرت مؤخرًا ضمن إصدارات سلسلة الجوائز في الهيئة المصرية العامة للكتاب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها