الثلاثاء 2017/03/14

آخر تحديث: 13:42 (بيروت)

أحجار محمد العامري: من الانتفاضة إلى الجواهر

الثلاثاء 2017/03/14
increase حجم الخط decrease
تحت عنوان "أحجار"، افتتح الفنان الأردني محمد العامري معرضه في غاليري آرت سبايس – الحمرا، قصد الفنان من هذه التسمية الإشارة إلى مفهوم الحجر في الانتفاضة الفلسطينية، أو الأحجار الكريمة، أو غير ذلك. غير إنه يغلب على لوحات العامري طابع التجريد، ففيها تجريد للحجر من هيئته المتعارف عليها، وفلش له على بياض اللوحة، بحيث تضيع ملامحه مع الألوان المتداخلة بعناية، والمتقاربة بتؤدة.

يغير الفنان ماهية الشكل العالق في أذهاننا للحجر، بابتداع مروحة من الألوان المتداخلة والمتشعبة، بحيث يتجاوز هذا المفهوم عالمنا الموضوعي ليقع في صلب الوعي الداخلي بما فيه من عشوائية منظمة وانفعال وحركات تلقائية. تتجاوز الكتل المتقاربة حيز الدلالات المنحصرة بالحجر أو بغيره، لتقع في صلب المساس بروح المشاهد، معبرة عنه، محيطة به، دون وجود صلة مادية واضحة، بل لعلها إشارات مبهمة تمس الوعي البشري، وتتركه مرتبطا باللون وبالانفعالات التي ولدتها ولادة اللوحة نفسها، من خلال العمل عليها، أو من خلال تصورها الأولي عندما كانت مبهمة من حيث الشكل والإطار، والصلة الوحيدة هي الخط الماسي بين الفنان ولوحته التي نجح بإخراجها إلى حيز الواقع بظاهرها اللاشكلي خارجة عن إطار المراقبة العقلانية.

ليس عن عبث اختيار الفنان اللاشكلانية للتعبير عن حالة معينة سماها "أحجار"، ففي اللاموضوعية نشاطا أوليا يشي بعودة الأشياء جميعا إلى ذرات عديمة الذوات، أو قل عديمة الشكل، والأحجار إذ كانت تشكل صروحا وعناوين للعبادة أو التزيين تعود إلى أصلها متشابهة، تحاكي العدم في موت الشكل. وتتوازى في الممكنات والتأويلات على فضاء اللوحة. هذا ويعمد الفنان العامري إلى تشييد عالمه بدءا من العلاقة مع الأحجار، عبر نقلها إلى حيز الفن، لا من حيث كونها تكامل العمل الفني بطريقة ثانوية، بل بجانب من الأولوية في بناء الكتل والمسحات الضوئية على المنجز، وتجاور الألوان، ليخلق نوعا من تعدد الرؤى حول التفسير والقراءة.

يبقى الأثر المقروء في أعمال الفنان العامري خاضعا للتأويل في الاختصارات التي اعتمدها الفنان للدلالة على موضوعه، لكن يبقى هناك آثار للصورة المقروءة من وراء العنوان، فبالرغم من تداخل الألوان العفوية والمسحة التجريدية في الأعمال، يبقى حيزا للشكل بطريقة أو بأخرى، ما لا يلغي الحضور الذاتي للشيء المقصود، ويقربه من التعبيرية التجريدية أكثر.

يبقى السؤال أين دور اللاوعي في نتاج الفنان محمد العامري؟ بالواقع يبدو أن الانتظام في توزيع الألوان لا يضر بالانفعالية اللاوعية في سردياته الفنية، فقد جعل من عمله محورا لتداعيات رمزية لا تشابه الواقع من حيث موضوعها، لكنها تشي به وتؤكد عليه وتظهره بطريقة التأليف، بعيدة نسبيا عن العالم الواقعي بحيز أطره وتشكلاته، لكن لها من الأهلية بعد الإشارة لهذا الواقع وتجسيده بطريقة مبهمة هلامية محورا، مؤطرا بإطار من اللاوعي والانفعال لكن يجمعه نقطة محورية واحدة اختارها الفنان عن دراية، وعمل على تجسيدها وكانت هي الأحجار.

(*) يستمر المعرض حتى 17 آذار/مارس الحالي، في غاليري "آرت سبايس" - الحمرا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها