الأربعاء 2017/03/01

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

فرهادي لَعِب مع الرقابة الإيرانية.. فنال "الأوسكار" الأميركية

الأربعاء 2017/03/01
فرهادي لَعِب مع الرقابة الإيرانية.. فنال "الأوسكار" الأميركية
مشاهد الفيلم محرمة في السينما الإيرانية، لذلك لجأ المخرج إلى حيل المونتاج الذهني
increase حجم الخط decrease
مجدداً عاد المخرج الإيراني أصغر فرهادي إلى منصة التتويج، في الجوائز السنوية للأكاديمية الأميركية للفنون "أوسكار"، من بوابة فيلمه Salesman أو "البائع"، بعد خمس سنوات من التتويج الأول له وللسينما الإيرانية، بحصول فيلمه "انفصال" على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي2011.

كحال كل الأفلام السابقة لفرهادي، نكون في الدقائق الأولى أمام لغز، كأثر لحادثة تعرض لها أحد أبطال الرواية، وتظهر آثارها بشكل متواتر طيلة دقائقه اللاحقة، لتشكل مفاصله الدرامية، بمنتهى البساطة، وبلا تكلف، فتسهل عملية جر المتلقي، من دون أن يشعر، إلى عمق الرواية وتفاصيلها، كالغرق في المياه الراكدة. لأن المشهد الراهن، ببساطة، يوحي أن ما نراه أمامنا هو فيلم تسجيلي، أو مشاهد حياتية حقيقية، كالتي تمر أمامنا بشكل اعتيادي، لكن هذه المرة عبر شاشة.

الأمر بالطبع ليس مستغرباً في أفلام فرهادي، الذي يرسم دائماً مع ممثليه مشاهدات مطابقة للحياة في أدق التفاصيل، ممارساً أقصى درجات الإيهام، كتطوير لمناهج الواقعية الدرامية، التي يحضر أحد روادها في الفيلم. نحن هنا، في الفيلم، مع المسرحي الأميركي آرثر ميلر، من خلال مسرحيته الشهيرة "موت بائع متجول"، التي يؤدي دورَي البطولة فيها، بطلا الفيلم، "عماد" و"رنا"، الزوج والزوجة، اللذان يلعبان بالتوازي دورَي البطولة في قصتين مختلفتين، الأولى في حياتهما الحقيقية كزوجين، والثانية من خلال مشاركتهما كممثلين مسرحيين، في عرض مسرحي إيراني مأخوذ عن نص ميلر.


بعد انتقال الزوجين بشكل مفاجئ من منزلهما، بسبب تصدّعات بدأت تصيب المبنى، دخلا إلى منزل بسيط، لكنه مليء بالمفاجآت. بدءاً بأغراض المستأجِرة القديمة التي تشغل الغرف، ثم الحادثة المركزية في بنية القصة، حين تتعرض الزوجة لاعتداء من قبل مجهول، دخل إلى المنزل في غفلة منها، عندما تركت باب المنزل مفتوحاً لزوجها الذي ظنت أنه القادم، بعدما قُرع الجرس من أسفل البناء. كل هذه المشاهد محرمة في السينما الإيرانية، لذلك لجأ المخرج إلى حيل المونتاج الذهني، أو إلى سرد ما حدث للزوج لاحقاً، بعد عودته إلى المنزل، ثم إلى المستشفى حيث نقلت زوجته، وطبعاً اختفى الجاني هنا، ولن نعرفه حتماً حتى نهاية الفيلم، حتى ولو وجد الزوج بعض آثاره في المنزل، كالجوارب في غرفة النوم، وهاتفه النقال، ومفاتيح شاحنته التي ما زالت مركونة في الأسفل!


كل هذه التفاصيل، من شأنها أن تزيد تعقيد الحبكة الجنائية التي رسمها فرهادي، والدخول في احتمالات لامتناهية، تزداد تشعباً كلما تكشفت خيوط جديدة حول شخصية المُستأجِرة القديمة، أو مالك الشاحنة المركونة في الأسفل، النقود التي تركها الجاني في خزانة غرفة النوم، كأجرة لخدمات اعتاد الحصول عليها في هذا المكان. كل هذا لا يزيد الحبكة تعقيداً فحسب، بل يشوش حياة الزوجين أكثر من الحادثة المسببة نفسها. الزوجة التي ما زالت تعاني الصدمة من جهة، لتنهار على خشبة المسرح، فيتوقف العرض، والزوج الذي يتتبع الخيوط للوصول للفاعل والانتقام منه، ربما، أو لإراحة نفسه من كل الشكوك، بإيجاد الإجابة عن السؤال الأهم بالنسبة له. هل اغتصبت الزوجة بالفعل أم أنها كانت مجرد محاولة اعتداء فاشلة!؟ وحتى لو وصل هذا الممثل المسرحي، ومدرّس مادة الفنون، إلى الشخص الملاحَق فعلاً، ماذا سيفعل به؟ هل يقتله، أم يسلمه إلى الشرطة؟ لماذا لم يبلغ الشرطة عن الأدلة التي بين يديه؟

من حيث المبدأ، كل ما سبق، لا يمكن أن يكون فيلماً إيرانياً، أو على الأقل لا يمكن تصوير هذه القصة، داخل إيران، وتحت سيف معاييرها الرقابية المعروفة. لن تبدو مقنعة رغم كل الحيل المتاحة، أو المبتكرة. فمواضيع الاغتصاب، التحرش، وبيوت الدعارة، أشياء تأتي في مقدمة المحاذير الرقابية، حتى على مستوى إظهار العواطف، هو أمر في غاية الصعوبة مع منع التلامس بين الجنسين على الشاشات الإيرانية. لكن لفرهادي دائماً حلوله السحرية للالتفاف عليها، والتي تستهلك منه تقريباً، الجهد ذاته الذي تتطلبه صناعة الفيلم، وهو غالباً ما يزيد حماس لجان التحكيم لاختيار أفلامه للمنصات، لكن الإفلات من الرقابة ليس معياراً وحيداً كافيها للوصول إلى الجوائز.

الفيلم فرنسي الإنتاج، حصد قبل "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، العديد من الجوائز، منها أفضل فيلم في مهرجاني أمستردام وميونخ، وجائزتي مهرجان "كان" الأخير للسيناريو للمخرج أصغر فرهادي، وأفضل ممثل لبطل الفيلم شهاب حسيني، الذي يتشارك بطولة الفيلم مع تيرانه علي دوستي، و بابك إبراهيمي. 

على الهامش:

(*) أصدرت وزارة الخارجية الأميركية رسالة تهنئة بفوز فرهادي بالأوسكار، ثم حذفتها. ونشر الحساب الرسمي للوزارة، الناطق بالفارسية، تغريدة في "تويتر"، تهنئ الشعب الإيراني وأصغر فرهادي بفوز فيلمه بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، يوم الأحد، وذلك وفق ما أظهرته صور للتغريدة جرى تداولها في "تويتر".

وشنّت صحف إيرانية هجوماً شديداً على المخرج فرهادي، معتبرة أن الجائزة تعكس قراراً سياسياً له تداعياته وأغراضه. ونقلت "وكالة أسوشيتد برس" عن صحيفة "كيهان" قولها إن "الأمر التنفيذي للرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يخص حظر دخول مواطنين من سبع دول ذات غالبية مسلمة، إلى البلاد، بما فيها إيران، كان وراء الجائزة التي حصدها فيلم -البائع-".

وفي السياق ذاته قالت صحيفة "جافان" القريبة من الحرس الثوري الإيراني، إن "فرهادي مدين لترامب ووسائل الإعلام المؤيدة للديموقراطيين، بالحصول على جائزة الأوسكار الثانية له". واعتبرت الصحيفة أن جائزة الأوسكار كانت إنجازاً فردياً وليست دليلاً على نجاح السينما الإيرانية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها