الإثنين 2017/02/06

آخر تحديث: 11:10 (بيروت)

مسلمون يتحولون مسيحيين "بحثاً عن ملاذ آمن"

الإثنين 2017/02/06
مسلمون يتحولون مسيحيين "بحثاً عن ملاذ آمن"
تحول في المانيا
increase حجم الخط decrease
حالات اعتناق بعض المسلمين القادمين إلى بلاد ذات أغلبية مسيحية ليست بالجديدة، لكن على ما يبدو أنها ازدادت الآن لتبدو كظاهرة تستحق الوقوف أمامها. لقد سبق لعدد من المسلمين أن تحولوا إلى المسيحية لأسباب مختلفة؛ منها أنهم كانوا مضطهدين في بلدانهم الأصلية بقوانين الشريعة التي تعارضت مع حريتهم الشخصية، ووجدوا في تعاليم الدين المسيحي ما هو متناقض مع تعاليم دينهم الذي ولدوا عليه. ومنهم من "اضطر"، كما تشير بعض التقارير، من أجل الحصول على ملاذ آمن، وكي لا يتعرض إلى المساءلة والاضطهاد، كما حصل مع بعض السوريين في بعض مناطق لبنان وألمانيا. وبعضها كانت لأسباب مادية، إذ إن فور وصول أفواج اللاجئين، يبدأ "المبشرون" بالعمل الطوعي في مخيمات اللاجئين وزيارة المؤسسات ذات العلاقة، والبدء "بتسريب" اشاعات عن امتيازات مادية سخية يحصل عليها كل لاجئ يتحول إلى المسيحية برعاية الكنائس.

بدأت مؤسسات رعاية اللاجئين ووكالة رعاية الأطفال في النروج تسجيل هذه الحالات مؤخراً. ويبدو أن الأمر لا يقتصر على النروج أو الدول الإسكندنافية فقط، بل سبق وأن نشرت تقارير في صحف بريطانية، عن تحول عدد من المسلمين إلى المسيحية "للبحث عن ملاذ آمن" بحسب مزاعم أصحاب القضايا، في بريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي تستقبل اللاجئين في السنوات الأخيرة.

القصص التي بدأت تنتشر عن تحول المسلمين إلى المسيحية لم تعد ملهمة للميديا كما يتوقع من يدعم هذه القضايا، أو كما اعتادت الميديا أن تعتاش عليها لسنوات، بل أصبحت مخيفة لشريحة واسعة من تعرض حرية الفرد في اختيار دينهِ وتوجههِ بسبب الخوف أو الطمع. فأين حرية طفل يصل مع أبويه، ويطالب الأب بالتحول إلى المسيحية، كي يحصل على دعم مادي لأولاده كما يحصل عليها أطفال "المسيحيين"؟ وأين الحرية في أن يضطر أحد الشبان إلى التحول ويحضر القداس ويعمل على أن يكون وجهاً معروفاً بين المصلين كي يتجنب النبذ والإقصاء؟
وأين حرية الفتاة التي تعتنق المسيحية كي تحمي نفسها من قواعد تربيتها الصارمة من قبل عائلتها المسلمة؟

ومن القضايا الغريبة التي مرت على وكالة رعاية الأطفال في النروج كانت قضية أب "عربي مسلم" طلبت زوجته الطلاق وحكم القاضي لها بحضانة كاملة لأطفالها. بدأ هذا الأب بالمطالبة بتسجيل أولاده كمسيحيين كما سيفعل هو ليحصل على حضانتهم. وبعد التحقيق معه اتضح أن البعض نصحهُ بذلك لأن الكنيسة ستساعده في هذا كما أخبروه.

هذه الظاهرة بدأت تزداد مع نشاط مجموعة تطلق على نفسها Ex-Muslims of Norway، ويبدو أنها فرع من منظمة بذات الاسم Ex-Muslims تأسست في ألمانيا عام 2007 ثم توسعت بسرعة في هولندا.

الطريف في عمل هذه المنظمة أنها تسمي نفسها مجموعة ملحدين من خلفية إسلامية، ولهم أسبابهم وأهدافهم التي أدرجتها في صفحتهم على الفيسبوك ولماذا تركوا الإسلام و"تحولوا" إلى الإلحاد. ومعظم أنشطتهم مدعومة من الكنائس ومن مجاميع يمينية. من النادر أن تجد لهم صوتاً قوياً في صحف الدولة المعروفة والليبرالية منها خاصة، إذ إن سياسة النروج كانت دائماً هي النأي عن اللعب على وتر العاطفة الدينية. وفي المقابل تتبنى بعض الحركات اليسارية الأصوات اليمينية من المسلمين لمواجهة هؤلاء، الذين أصبحوا اليد الضاربة لليمين المتطرف في البلد ضد سياستهم. لقد نجحت الأحزاب اليمينية في توظيف هذه الأصوات الإلحادية نوعاً ما في تحريض شريحة واسعة من النروجيين ضد المهاجرين واللاجئين وذلك بتصوير كل مسلم مؤمن هو مشروع "ارهابي".

وصلت نتائج هذا التحريض إلى المطالبة بفصل النساء، خاصة المحجبات منهن والمتزوجات صغيرات السن، عن الرجال "المسلمين" القادمين كعوائل لاجئة إلى البلد ووضعهن تحت رعاية مؤسسات متخصصة بحماية المرأة والطفل. تعالت هذه الأصوات قبل فترة مع زيارة الفتاة العراقية الأيزيدية الناجية من أسر "داعش" في الموصل نادية مراد، إلى البلد، ضمن رحلتها بين دول الغرب لتعريف العالم بقصتها وقصة طائفتها التي تعرضت لأبشع إبادة وانتهاكات بعد سقوط نينوى عام 2014 بيد "داعش". واستُغلّت زيارتها للتحريض على "الرجال المسلمين" من دون تمييز.

في الحالتين، اليمينية المحافظة واليسارية، نتوصل لحقيقة واحدة أنهما يستغلان هذه الحالات لصالحهما وليس من أجل حرية الفرد كما يدعون. وفي كل الأحوال يقولون للمرأة ماذا عليها أن تفعل، سواء كانوا ضد الحجاب أو معه. وبين هذا وذاك، تقف مجموعة ضد الإثنين تحاول قدر الإمكان المحافظة على قيم العدالة والحرية التي قامت عليها النروج بعد عهود من الظلامية والاضطهاد على أيدي محتليها.

وسواء كان المسلم السابق ملحداً بالفعل وضد تعاليم الإسلام عن قناعة، أو اعتنقَ ديناً آخر لأسباب مادية، أو كان مسلماً مؤمناً ينتفع من دعم الأحزاب اليسارية، والتي تتعارض مبادئها مع ما يؤمن بهِ في دينه، فلن نستطيع إلقاء اللوم الكامل على هذه الجهات. بل يقع اللوم الأكبر على "العربي، الشرقي، المسلم" لأن البعض منهم من الهشاشة والفراغ الداخلي ما يجعلهُ لعبة سهلة بين أيدي القوى المتصارعة على السلطة. بإمكان الفرد أن يؤمن أو يلحد من دون أن يجعل نفسهُ أداة لخدمة أجندات معروفة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بشده في هذا الوقت:
هل فعلاً بإمكان الفرد المسلم مواجهة هذا العالم بمفاهيم تخصهُ، ويعيش حريتهُ، ويحصل على أمانهِ أخيراً من دون أن يدفع الثمن، وهو من عاش طوال حياتهِ يتلقى التعاليم والأوامر عن عماء تحت وطأة اضطهاد المجتمع والأنظمة القمعية؟ هذا هو التحدي الذي يواجه الجيل الجديد، تحديداً، أن يكونوا أنفسهم أخيراً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها