الثلاثاء 2017/02/28

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

الأدب.. إن زَحَف إلى "الديستوبيا"

الثلاثاء 2017/02/28
الأدب.. إن زَحَف إلى "الديستوبيا"
محمد ربيع: لم أسمع عن رواية "يوتوبيا" مهمة كتبت في الفترة الأخيرة
increase حجم الخط decrease
لم تعد الرواية المصنفة اليوم كرواية "ديستوبيا" تُثير في القارئ العربي أي غرابة. بل يزداد مصطلح "ديستوبيا"، شيوعًا، يوماً بعد يوم، ويمسي مفتاحًا لرؤيةٍ تشاؤميةٍ وعدميةٍ، تفوق الواقع بشاعة. أما الشيء الذي ربما يدركه قراء رواية "1984" لجورج أورويل؛ ومن هذه الرواية التي تنبَّأت باللحظة الراهنة، والتي ما زالت تُقرأ حتى اليوم، هو أن سرعة الأحداث التي نعيشها، قد تجبرنا على إعادة حساباتنا في ما يتعلق باللحظة الزمنية "الديستوبيّة" التي ننتظرها.

في اللقاء الذي جمع الروائيَّين المصريين نائل الطوخي ومحمد ربيع في في الجامعة الأميركية بالقاهرة، للتحدث عن "رواية الديستوبيا" إستنادًا إلى الروايتين المنتميتين إلى هذا النوع، وهما "نساء الكرنتينا" للطوخي، و"عطارد" لربيع، جرى النقاش عن الأسباب التي دفعتهما إلى كتابة هذا النوع الروايات. وهل مدينة كمدينة القاهرة توّلد بالضرورة ديستوبيا؟ يقول محمد ربيع أن كتابة الرواية جاءت نتيجة الأشياء المحيطة التي يراها في الحياة اليومية، ونتيجة "الاستقرار" في وضع سيء. كما وصف مدينة القاهرة بـ"المدينة المنهارة"، وأن أهم المعالم التي تُظهر ديستوبيتها هي القبح المعماري، الناتج أصلاً عن نمط معماري سلطوي؛ يتمثل في الأبنية التابعة للحكومة والأنظمة المستبدة منذ أيام الملك فاروق، مثل "مجمع التحرير"- الذي بُني في عهد الملك فاروق، وبرج القاهرة. وهذه أمثلة دالة على عمق النظرة السلطوية والفوقية، ما يتناقض مع المباني البسيطة والعشوائية للطبقة الفقيرة من المجتمع، كمباني بولاق أبوالعلا الملاصقة للمبنى العملاق للإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو". يقول ربيع: "إذًا لست منسحقاً كفرد فحسب، بل بيتك أيضاً منسحق أمام المباني الضخمة". وكلام محمد ربيع يحيلنا إلى مقطع من رواية عطارد: "لا شيء سوى الفوضى، أبحثُ عن نظام وسط كلّ هذا، لكن يبدو أن مَن بنى القاهرة لم ينظر إليها من بعيد، لم ينظر إلى الصورة كاملة، بل تأمَّل المباني منفردة يحيط بها الفراغ، وصمَّم كلَّ مبنى على انفراد، من دون أن يشغل باله بما يحيطه من مبانٍ أخرى. ورآها بعين الماشي على الأرض لا بعين الطائر في السماء، أراد أن يبهرَ الناس في عصر ما قبل الكاميرات المحمولة جوّاً، وفعل مثله من جاء بعده وأكمل البناء، وفعل مثلهما كلُّ مَن جاء بعدهما. هل سأعيش لأراها تهدم؟".

أما رواية "نساء الكرنتينا" فتنطلق من مدينة الاسكندرية، لكن ليست صورة المدينة المرتبطة بالأذهان والتي تطل على البحر: "أردت تقديم صورة مختلفة عن الاسكندرية"، يقول الطوخي. فأبطال روايته يخترعون حيّاً اسمه الكرنتينا – حي الكرنتينا كان موجود من قبل، لكنه أزيل في فترة التسعينات وكان مشهوراً آنذاك بتجارة المخدرات والدعارة. أما الرواية، فتدور أحداثها المستقبلية في العام 2050. إذ أن المؤلف قد أضاف إلى المكان في تصوره المستقبلي، مترو أنفاق، سيكون أيضاً المكان الذي تدور فيه صراعات الرواية. وستعكس الحياة داخل حي الكرنتينا والنفق، صورة الحياة ضمن العشوائيات والقذارة. كما ورد وصف نائل الطوخي لذلك النفق في "نساء الكرنتينا"، الجو الخانق، وخصوصاً في عز رطوبة تموز/يوليو... "لم تحتمله أميرة في البداية، ثم تعودت عليه. رجال من حولها في كل مكان. هي الأنثى الوحيدة بالمطلق. الرجال، ومنهم الأطفال والكهول والشباب، يجلسون ويلعبون الكوتشينة مع بعضهم. وثمة رائحة عفنة تخنقها، كتل الخراء في كل الأركان مع بحيرات البول وفوقها أسراب من الذباب المحلق".

وفي الندوة المشتركة، طُرح سؤال من قبل الجمهور عن إمكانية كتابة رواية "يوتوبيا"، وهل حاول الطوخي وربيع كتابة تصور مستقبلي لـ"مدينة فاضلة"؟ فأجاب محمد ربيع بأنه لم يسمع عن رواية "يوتوبيا" مهمة كتبت في الفترة الأخيرة، ولا يظن في رأيه الشخصي أن لدينا القدرة لكتابتها، وهو شخصياً غير قادر على تخيل هذه المدنية الفاضلة أو تصورها أبداً، وشاركه في هذا الرأي نائل الطوخي. لكن في المقابل، شككك الطوخي بأن تكون روايته "ديستوبية" صرفة، فيقول أنه لم يكن مشغولًا ببناء مكان أو عالم "ديستوبيا"، بقدر ما كان مشغولاً بالشخصيات داخل العمل، ويضيف بأنه حاول أن يتعامل مع شخصياته بـ"حب"، وحاول فهم وتصوير معيشة هؤلاء الناس داخل "الديستوبيا".

وفي معرض الحديث عن الشخصيات، طرحت مديرة الحوار، دينا حشمت، سؤالاً عن "اللغة والعنف الفظي" التي تستخدمها الشخصيات. وظَّف نائل الطوخي اللهجة العامية في الحوارات بين الشخصيات في "نساء الكرنتينا"، لكنه يرى أنه، رغم القسوة والعنف الموجودين في اللغة، إلا أنهما أحياناً يأتيان في سياق العتب و"العشم "، أي أننا قد نلمح شيئاً من الرقّة و"الحنيّة" داخل هذه اللغة. كأن يقول شخص لصديقه "يرضيك اللي عملتو بيا يا وسخ؟!".

تساؤلات كثيرة ستبقى مفتوحة بخصوص رواية "الدستوبيا"، والرؤية التي سيتم تصويرها من خلال الحياة في "مدن" يراها العالم "فاسدة"، ومليئة بالقبح والقذارة. وكيف يُنظر إلى شريحة من المجتمع تعيش داخل هذا العالم؟ وكيف ينظرون هم أنفسهم الى عالم، قد يبدو بعضه باحثاً، ربما، عن "يوتوبيا" زائفة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها