الإثنين 2017/02/27

آخر تحديث: 12:04 (بيروت)

عبير خليفة.. نبتة شعرية تكرر الأخطاء نفسها

الإثنين 2017/02/27
عبير خليفة.. نبتة شعرية تكرر الأخطاء نفسها
بعض الأصوات ترسم الكلمات موسيقياً، كما تفعل فيروز
increase حجم الخط decrease
في الوقت الذي يعج فيه الوسط الأدبي بالمجاميع الشعرية التي تتحدث عن الحرب والخراب والمنفى والحنين والوحدة، تطلّ علينا الشاعرة اللبنانية عبير خليفة (1986 بيروت)، بديوانها الشعري الثالث الصادر مؤخراً عن دار مخطوطات-هولندا. حمل الديوان عنواناً مألوفاً بعض الشئ (أن تكرّر الأخطاء نفسها) لكن المضمون ليس كذلك. من خلال 63 قصيدة موزعة على 112 صفحة من القطع المتوسط، تأخذنا عبير إلى زاوية كنا سننساها وسط زحمة العتمة الطاغية على المشهد الشعري. بعض الأصوات ترسم الكلمات موسيقياً، كما تفعل فيروز. إذ لو صادفت بعض الشعر الذي غنتهُ لما انتبهتُ له. وتفعل خليفة في ديوانها هذا شيئاً مماثلاً، فهي ترسم اللوحات بالكلمات. ذاكرة الشاعرة هنا حاضرة وآنية، لا تحاول أن تخرجنا من دائرة الزمن التي تدور حول وعينا الملموس بماهية أشكال الحياة، أو تحاول أن تأخذنا بعيداً في أقصى الذاكرة. هي تخبرنا بكل وضوح أن هذا ما تراه الآن وتعيشه، وليس ثمة ما يمكن إهمالهُ من باب النسيان، لأنه ببساطة كل شيء حاضر.

حين يتعبُ طيرٌ
يحطُّ على كتفي
الصغار تتمسكُ بشعري
والريحُ متواطئة
فلا تميز بين أجنحتهم الصغيرة
والضفيرة التي تتفكّك.

هناكَ دائماً المُخاطَب، والخطاب الموجه لهُ في قصائد الديوان. مع أن الشاعرة لا تهتمُ كثيراً بهوية المُخاطَب بقدر ما يهمها الخطاب نفسه. فهي لا تعدّ نفسها عدداً مكملاً في طابور التأمل للشِعر، بل تتخذ لها زاوية مريحة، حيث الظل الذي يمنحها رؤية واضحة لمشاهدة أشياء لم نعد نألفها. وكأن الشاعرة هنا تدعونا لاكتشاف طبيعة الحياة معها من جديد. عندما تستدعي الطيور والبحيرات والوديان والشمس والسماء والرياح والمطر والشجر وترسم منها عالمها الصافي المفتوح على تفسيرات محددة، فهي تقول لنا هذا هو وجه الحياة الذي نكاد ننساه. تجلس كنبات في حضن الأرض، هادئة ملوثة بالشمس وتخبرنا أن صوت الحياة لا يصل مسامعنا، وتواصل الصراخ:

أن تكون هادئاً وملوثاً
بالشمس
بالرياح وبالمطر
مغروزاً بالتراب
وصرختكَ لا تصل
إلى الورقة الأخيرة أعلى غصنٍ مائل.

أو تكرر النداء هذه المرة بصوتنا، علّها تحصل على إجابة:

كشاعرة أنفقتُ كل النداءات
في قصيدة
لم يجبْها أحد.

إن هذا الشعور بالتوحد والفردانية، التي تعتبر أسباباً معروفةً في اغتراب الشِعر في قصائد الشعراء، هي أسباب للوصول إليه في حالة الشاعرة. لو تأملنا اختيارها لشكل القصيدة وطولها وطريقة سردها للوحات تعجُ بالكائنات والألوان والحركة، لوجدنا أنها بعيدة كثيراً عما اعتدنا قراءتهُ في أعمال جيلها على الأقل. تسترسل الشاعرة وتغوص في أعماق الحياة والنفس. تطرح تساؤلات لا ترغب في الإجابة عنها بقدر ما تبحث عن متكأ حقيقي لها في الواقع والخيال. والشِعر بالنسبة لها يبقى ذلك الوَصْل بينهما، متى ما أمسكت خيط بداية القصيدة ستصل غايتها من لحظة الكتابة. هكذا تخبرنا نهايات معظم قصائد الديوان التي جاءت متباينة بين متوسطة الطول والطويلة نسبياً.

رغم ابتعاد الشاعرة عن قصائد "الومضة" إلا أن القارئ يلمح بسهولة تسلل بعض الومضات التي ستظل عالقة في ذهنهِ، ولن تستطيع طول القصائد محوها من التميز والظهور فوق سطح الشعر:

أحبُّ لو ينظر البحر إلى نفسه
ويقول لنا شيئاً مثل:
اخرجوا من الماء
أريد أن أعود أدراجي.

هذا المقتطف من قصيدة "دوّار الشمس" (صفحة 49)، ومقتطفات أخرى يصادفها القارئ بين القصائد، يخبرنا الكثير عن قدرة خليفة على التكثيف في صورة واحدة والاكتفاء بذلك. لكنها كعادة الذين لا يعرفون معنى الانتماء لنمط معين أو أسلوب محدد، تستمر في القصيدة إلى أن تأخذ كفايتها من الشمس والظل وتكون النبتة الشعرية التي يصل صوتها إلى الورقة الأخيرة في أعلى الغصن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها