الجمعة 2017/02/24

آخر تحديث: 11:49 (بيروت)

"كتابة الشعر يومياً" لا تُبرّئ يوسف زيدان

الجمعة 2017/02/24
"كتابة الشعر يومياً" لا تُبرّئ يوسف زيدان
مشكلة زيدان لا تنحصر في احتمال سرقته لرواية "عزازيل"، بل في الخطاب الأصولي الذي يصدّره
increase حجم الخط decrease
حللتُ ضيفًا، منذ سنوات، على مأدبة عشاء ضمت العديد من الكتّاب اللامعين في مصر، ولا أذكر بالضبط كيف تطرق الحديث غلى سيرة الناشر اللبناني الراحل عبود خير الله عبود، صاحب دار الجيل. ما أذكره بدقة، هو الطرفة التي سردها عنه يوسف زيدان؛ "كان ضخم الجثة" يقول زيدان، ويستكمل: "ذهبت إليه شابًا أحمل أحد مؤلفاتي، تلقّاه مني ودون أن يقرأه دفع لي حقوق الملكية، ثم نشره باسم خليل حنا تادرس، هكذا كان يفعل مع كل الكُتّاب، يأخذ مؤلفهم أياً كان نوعه ثم يدفع لهم قبل أن ينشره باسم خليل؛ كتاب في الطب مؤلفه خليل حنا تادرس، في العمارة: خليل حنا تادرس، في الطبخ: خليل حنا تادرس، حتى أصبح تادرس أشهر كاتب في مصر، لأن اسمه على كل الكتب الصادرة فيها تقريبًا".

لا أعرف إن كان يوسف زيدان يحكي عن عبود/تادرس، أم عن نفسه. فخليل حنا الذي اشتهر في ستينات القرن الماضي ككاتب روايات للمراهقين، خلَّف ثلاثمئة كتاب في مواضيع شتى، حتى أنه ألف كتبًا عن الطبخ، ما يجعل التشكيك في نسبة ذلك الحجم من الأعمال إليه أمرًا ذا وجاهة، لكن الغريب أن كتابًا واحدًا ألفه يوسف زيدان في العام 2008 لم يسلم طيلة 9 سنوات من الاتهام بانتحاله.

فالاتهام الذي أثاره، شخص يدعى علاء حمودة، قبل أيام عبر صفحته الفايسبوكية، ضد يوسف زيدان بانتحال روايته "عزازيل" (ط1- دار الشروق 2008)، من رواية "أعداء جدد بوجه قديم" التي ألفها القس الإنكليزي تشارلز كينجسلي، منتصف القرن التاسع عشر، ليس الأول الذي يوجه إلى المدير السابق لمتحف المخطوطات في مكتبة الإسكندرية. إذ سبق أن  تلقى التهمة نفسها من قس مصريّ، هو القمص عبد المسيح بسيط، بعد صدور الرواية مباشرة، وما أثارته من صدام مع الكنيسة المصرية، فكان بسيط أول من ربط بين "عزازيل" والرواية الإنكليزية، في العام 2009، حتى إنه ألف كتابًا يرد فيه على ما وصفه بافتراءات زيدان على الديانة المسيحية. ثم وجّه الروائي التونسي كمال العيادي، الاتهام نفسه، إلى زيدان في العام 2014. لكن المختلف هذه المرة في ما أثاره حمودة، هو اتهامه لزيدان بانتحال 3 من رواياته، هي "ظل الأفعى، عزازيل، محال". فبالإضافة إلى "عزازيل" الذي يقول حمودة إن زيدان انتحلها من روايتي "هيبتا" ورواية "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، فإن رواية "محال" منتحلة من رواية "غوانتنامو" للكاتبة الألمانية دوروثيا ديكمان، ورواية "ظل الأفعى" منتحلة من رواية "خطاب طويل جدًا" للروائية السنغالية مريمة با.

فيما لا يرُجع حمودة صحة فرضيته، وحدها، إلى التطابق الذي أشار إليه بين روايات زيدان والروايات الأجنبية، وإنما كذلك إلى التفاوتات الفنية بين روايات صاحب "النبطي" وبعضها البعض، مؤكدًا أن من كتب رواية ضعيفة البناء واللغة مثل "ظل الأفعى"، لا يمكن أن يكتب رواية باللغة الرصينة التي صيغت بها "عزازيل". والملفت في تلك النقطة الأخيرة، أن هناك اتهام مشابه يثيره عدد من الكتّاب المصريين خلال ثرثرتهم في المقاهي كلما جاءت سيرة زيدان، في أنه لا يسرق رواياته من أعمال أخرى وإنما يوظف من يكتب له تلك الروايات، وأن هذا المستوى المتفاوت لأعماله إنما يعود إلى براعة هؤلاء الموظفين من عدمها.

ولا تبدو تلك الثرثرة بعيدة من أذن صاحب "شعراء الصوفية المجهولون"، ففي مأدبة العشاء نفسها، عبَّر كاتب مرموق عن اندهاشه من قدرة زيدان على الكتابة يوميًا في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفها بالأمر المستحيل الذي يشبه "كتابة الشعر يوميًا". حينها أجاب زيدان –متغافلًا عن السخرية المبطنة في جملة الضيف- وقال: "الأمر كذلك بالفعل، وهذا ما أفعله تقريبًا، فإن كل بوستاتي أكتبها بلغة شاعرية، وهذا تحد مني لمن يقولون بأنني لست من كتب لغة عزازيل، فها أنا أرد يوميًا على متابعيّ شعرًا".

يتقن يوسف زيدان الاستفادة من اللغط المثار حوله، بل يبدو في كثير من الأحيان وكأنه من يصنع هذا اللغط بنفسه كي يتصدر واجهة المشهد. فالاتهام الأخير الذي وجهه إليه علاء حمودة، ليس بجديد كما أسلفنا، بل يعطي الأفضلية لزيدان ليبدو وكأنه شهيد لتصفية خلافاته السياسية مع النظام. فحمودة الذي عرّفه موقع "العربية نت"، كـ"مفكر مصري"، هبَّ لفضح سرقات أستاذ المخطوطات لأنه تجرأ على الجيش المصري، كما صرح في تدوينة أخيرة على صفحته الشخصية في "فايسبوك"، كما يبدو تعريف "مفكر" الذي وصفه به موقع "العربية"، فضفاضاً ومضللاً، في حين لا تحمل الشبكة العنكبوتية من سيرته سوى خبر نشره عنه موقع "برلماني" -التابع لصحيفة اليوم السابع المصرية- باعتباره صاحب براءة اختراع "يساعد الطائرات على اكتشاف الغواصات ويسمح لها بالهبوط فى الجو السيئ". وبالتالي من السهل على يوسف زيدان، في ظل المشهد السياسي الحالي، أن يقلب الأمور إلى صالحه، وقد ينتهي الأمر بتعويضه ماديًا ومعنويًا إذا سار في طريق مقاضاة موقع "العربية" وعلاء حمودة كما أعلن بالأمس.

ربما يظن صاحب "متاهات الوهم" أنه يؤكد ملكيته لرواية "عزازيل" بما يكتبه في صفحته الفايسبوكية، ويسميه شعرًا، وربما أعتبر أن جملته المثيرة للسخرية "سأقومُ الآن لأنام، كالمدن القديمة"، منتحلة من تركيب جملة محمود درويش الشعرية في قصيدته "الظل العالي"، التي يقول فيها: "من تُزَوِّجني ضفائرَها لأشنق رغبتي/ وأموت كالأمم القديمة". قد أكون صائبًا أو مخطئًا، لكن مشكلة زيدان الحقيقية لا تكمن في أنه سرق عزازيل أم كتبها بنفسه، بل تكمن إشكاليته في الخطاب الأصولي الذي يصدره، ولا يتسق مطلقًا مع كونه عالماً ومحققاً للتراث.

حين يقدم يوسف زيدان نفسه باعتباره الممتلك الوحيد للحقيقة، فيطلق أحكامه المعلبة على كل ما له علاقة بالوجود، لا تكون مواجهته بخطاب يشبه خطابه مثلما فعل علاء حمودة، وإنما يتم التصدي لمشروعه العلمي بالتحليل، خصوصاً أن هذا الأخير أيضًا لم يسلم من الاتهامات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها