الخميس 2017/02/23

آخر تحديث: 08:07 (بيروت)

ظاهرة الإدعاء في المجتمع العراقي(*)

الخميس 2017/02/23
ظاهرة الإدعاء في المجتمع العراقي(*)
increase حجم الخط decrease
وأنا أبحث في الشبكة الالكترونية، شاهدتُ برنامجاً ثقافياً يعدّه ويقدمه شابٌ تجاوز العشرين من عمره ببضعة أعوام. استوقفتني عبارة قالها هذا الشاب في نهاية برنامجه، قالها ناصحاً المشاهدين وبصيغة الأمر "اقرأوا سونيتات شكسبير، فهي أفضل بكثير من مسرحياته".

هل يجرؤ بروفيسور في جامعة كامبردج على التصريح بهذا الأمر وبهذه الصيغة اليقينية؟. أشكُ في ذلك، بل لو قالها رجل ثمانيني قضى ستين عاماً من عمره مقيماً بلندن وترجم رواية جيمس جويس (يوليسوس)، لتوقفنا طويلاً عند هذه العبارة قبل قبولها أو رفضها.

أعترفُ.. أن الدعيّ لا يثير الاستهجان في نفسي فحسب بل إنه يوقظ عدوانيتي، هذه العدوانية التي أسعى لسنواتٍ طوالٍ إلى لجمها وإذلالها، حيث أني أعتبر إدعاءه إهانة شخصية موجهة لي، فلا أستطيع أن أتجاوز المقارنة بين هذا الدعيّ وبيني. سأضرب مثلاً:
مرة قرأتُ في سيرة شاعر عراقي (هو الآن على مشارف الثمانين من العمر)، يقول إنه تأثر بالفيلسوف الدنماركي سورن كيركغورد في خمسينات القرن العشرين (لا أدري بأية لغة قرأ فلسفة كيركغورد)، وبحساب سريع نكتشف أن هذا الشاعر تأثر بكيركغورد حينما كان في سن الخامسة عشرة من عمره، هنا استيقظت غيرتي ورحت أقارن بيني وبينه، فأنا وقد تجاوزت الستين من العمر، قضيت أكثر من نصفه في بلد كيركغورد، لكني مازلت أقف أمام فلسفته عاجزاً عن فهمِ الكثير منها، فكيف استطاع هذا العراقي في مدينتهِ النائية أن يتأثر به؟

الأمثلة كثيرة.. حتى أصبح الأمر مألوفاً أن تجد شاعراً لا يعرف اللغة الفرنسية ويعلن بأنه تأثّر بالشاعر الفرنسي (فلان) وحينما تبحث عن هذا الشاعر لا تجد له في اللغة العربية سوى بضع قصائد بترجمة ركيكية، قام بها شخص لا يعرف الفارق بين (فيما) و(بينما) أو بين (فوق) و (على)، ومن جماعة الـ (سوف لن).

ظاهرة الإدعاء في المجتمع العراقي، منتشرة بشكل واضح، ويبدو لي أنها ليست حديثة العهد ودليلي على ذلك أن السخرية من الدعيّ وردت في أمثال عراقية كثيرة، يحضرني الآن منها مثلٌ عن الديكَ الذي يرفع صوته وساقاه غاطستان في البراز.

(*) مدونة كتبها الروائي العراقي حميد العقابي في مدونته الفايسبوكية
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها