الأحد 2017/02/19

آخر تحديث: 12:11 (بيروت)

بيتر ليندبرغ: صوره للموضة أعادت تعريف العالم

الأحد 2017/02/19
increase حجم الخط decrease
بعد معرضه الأخير في روتردام، صدر للألماني بيتر ليندبرغ(1944) Peter Lindbergh آخر كتبه "نظرة مختلفة إلى تصوير الموضة" (25 x 35 سنتم- 500 صفحة).  كتاب ضخم بلغة بصرية خاصة بمؤلفه مستوحاة من اللغة السينمائية، يعرض 40 عاماً من التصوير، بدأها بقلب مفاهيم صورة الموضة، عبر مقاربة إنسانية لعارضات الأزياء، معتمداً على عبقريته في السرد وتصوير ما هو أبعد من الظاهر، مبدعاً شكلاً جديداً من الواقعية لا يحيل إلى زمن محدد. في الكتاب أيضاً مسار 25 مصمم أزياء، أولهم إيف سان لوران، ومنهم جورجيو أرماني، هيدي سليمان، مارك جاكوبز، عز الدين علايا، لاغرفيلد، دولتشي وغابانا...  

كتب تييري لوريو مقدّم الكتاب: "بعد وقت قصير من وصوله إلى باريس في 1988، انتزع إعتراف العالم بنظرته المغايرة، بعدما طرح مفهوماً جديداً لتصوير الأزياء. صورة وحيدة لعارضة مجهولة ترتدي قميصاً أبيض وجينز،  رفضتها "Vogue" "لعدم تطابقها مع نظرتنا" قالوا له، انتهت في الأرشيف. شرح لهم ليندبرغ نفوره من المبالغة في الماكياج، وتفضيله البوهيميات والمتحررات. بعد أشهر يعلن المدير الفني للمجلة: "لندبرغ موهوب في إظهار توهّج وجه المرأة".

وضع ليندبرغ الهوية الحداثية للتسعينيات: لم تعد العارضات تواجهن المشاهد بكبرياء. "لم أستوح صور الثمانينيات. ابتعدت عن المرأة المتصلبة، المحضّرة حتى الكمال، المصطنعة.  صرت أميل إلى المرأة المغامِرة المرتبطة بموقعها الإجتماعي والمتحررة. الفتيات اللواتي إلتقيتهن في المعاهد الفنية هن مثالي" قال. من صوره بدأ مصممو الأزياء التعامل معهن، دخلن في الثقافة الشعبية، وتقرّبت الأزياء الفخمة الغالية من الجمهور.

عين فريدة متميزة، تعاطت مع المرأة الحقيقية، وليس مع موديل في صورة. أجاد النظر إلى المرأة البالغة عبر التجربة والأمومة ومتاعب القلب. رأى أن بإمكان الموديل تأدية ما يقترحه. لسن ماركات تجارية، مطيعات لدور الأزياء وللمصورين. في العام 1988، شغل العالم بالعارضة ليندا إيفانجليستا إذ طلب منها قص شعرها، فخسرت عشرات عقود العمل، لكن بعد رؤيتها في صوره تهافتت عليها الدور، واحتلت أغلفة المجلات متحوّلة إلى أيقونة.

طرح تأويلاً تصويرياً لإمرأة ما بعد الثمانينيات الحقبة التي لم يألف رخاءها. تغاضى عن اللباس. اعتمد على الأسود والأبيض في بنيان صورة من لم يطلق عليهن بعد اسم "سوبر موديل". خاف من الصورة الملونة التي قد تقربهن من صور إعلانات التجميل. بنظره "الأسود والأبيض يكشف عن الشخصية الحقيقية، يقدّم تأويلاً للواقع، وارتباطاً حميماً بالحقيقة أكثر من اللون. إنه مرادف للحقيقة." قال.  لم يضيّع المرأة من عدسته ولو تلهى بالجوهر فقط. حوّل نساءه إلى نجمات يتعرف عليهن الجمهور من أسمائهن وصورهن. لم تعد المسألة مجرد موضة، لقد تقدمن على نجومية هوليوود.

تجنب النمطية وجذبته التسريحة البسيطة والوجه غير المطلي بمساحيق التجميل-"اختزال يُبرز الجمال الطبيعي". زعزع قوانين تصوير الموضة القائمة على الروتوش، معتبراً أن معالم العمر تُكسب الوجه ميزاته. "الروتوش ليس الوسيلة المثلى لتقديم المرأة في بداية قرن جديد.  من الجنون محو حياة الوجه،  يجب معرفة صونه. من مسؤوليتنا تحرير المرأة من حداثة السن والكمال الأبديين... عندما يكون مزاجنا سوداوياً نقترب من ذاتنا؛ وعندما نتجاوز حزننا تحدث ظاهرة شعرية وتتكشف أحاسيس عميقة صادقة. هناك فسحة بين المصور وموديله هي التي نصورها،كما نصور  الجزء المخفي من الشخص شرط أن يكون مستعداً لتقديمه..."
جمعت صوره البساطة والشعر. تناوب فيها التأطير والإضاءة السينمائية والطبيعية. تحركت نساؤه في استوديوات وشوارع ومصانع مهجورة. استوحى ديكوراته من أمكنة مقفرة بائسة، مضيفاً إليها أكسسوارات بسيطة: طاولة، بضعة كراسٍ وبعض معدات الإضاءة ليخلق مناخات "لندبرغية". طرحت صوره تساؤلات أكثر مما قدمت الأجوبة. حملت إنفعالات، وأنسنت الغريب والآلي."الإبداع ولادة ثانية" قال.

أصالة زوايا التصوير وتكويناته أضافت على الصور أبعاداً زمنية مقلقة. ترتيب فسحة بين المتفرّج والعارضة جعل من الصورة مكاناً حميماً. جاهر بكونه مصور موضة، إعتراف لم يجرؤ عليه الباقون لأنهم يعتبرون أنفسهم فنانين.

شغلته الأساطير والروحانيات. تأثر ببدايات السينما الألمانية. نقل الشاشة الكبيرة إلى صفحات المجلات وجدران المعارض. في برلين اكتشف الفنون الطليعية والسينما ("متروبوليس" لفريتز لانغ، "الملاك الأزرق" لفون سترنبرغ، الواقعية الإيطالية الجديدة: "ماما روما" بازوليني، "2/1 8" فلليني...)  مسرح بريخت، وموسيقى فايل، رسومات بيكمان وغروش وأتو ديكس والدادائيين. بدأت ثقافته الفوتوغرافية من مان راي، رودتشنكو، موهولي- ناجي، والباوهاوس. شغف بالبورتريه بعد إطلاعه على أعمال رواد الصورة الصحفية في بداية القرن العشرين:  دوروتيا لانغ واكر إيفانز،  لويس هاين، أوغست ساندر، ديان آربوس، هنري كارتييه- بريسون.  

ولد في ألمانيا. كان لمسقط رأسه وادي الروهر، ببيئته الصناعية أكبر الأثر على مفهومه للجمال: "لو وُلدت في البندقية لأختلف الأمر، لكنني ترعرعت وسط مناجم الفحم والمصانع الضخمة.  تلك الأماكن مجتمعة مع الثقافة الألمانية لبداية القرن العشرين، حدّدت كلها مفهومي للجمال". من طفولته يتذكّر بقايا غبار الفحم المترسّب على كل شيء حتى على الوجوه والعيون، ما أوحى له بنوع الماكياج الذي يفضله لعارضاته.

قالوا عنه: "هو ليس مصور موضة، إنما الموضة واسطته للتحدث إلى النساء وعنهن...  هناك عالم شاسع في عينيه... هو كابوس مصممي الأزياء... أعادت صوره تعريف العالم من جديد"
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها